لا شك أن مصر تمر حاليا بمرحلة استثنائية.. وتعاني من خلل اجتماعي واقتصادي وسياسي وانفلات أمني يتطلب إجراءات غير عادية لمواجهته. ولا جدال في أن الشعب بأكمله يرفض أية مظاهر لحيازة الأسلحة والذخائر التي راجت تجارتها في الآونة الأخيرة. كما يرفض جلب وتصدير المواد المخدرة والاتجار فيها. حيث أصبحت المخدرات وباءً اجتماعياً فتاكاً يدمر المجتمع ويذهب بصحة وطاقات الشباب ويبدد موارد الوطن. والمواطن السوي لا يقبل أعمال البلطجة بأي شكل من الأشكال. حيث تحولت البلطجة إلي ظاهرة تهدد الجميع في كل مكان بلا استثناء تقريبا. وانتشرت أعمال السرقة تحت تهديد السلاح وجرائم قطع الطرق والمشاجرات الشبيهة بالمعارك الحربية والتي تستخدم فيها زجاجات المولوتوف والأسلحة الآلية. ناهيك عن السنج والشوم وغيرها! من هنا صدر قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتفعيل وتعديل قانون الطوارئ بحيث تطبق أحكامه خلال فترة سريانه علي الحالات السابقة وكذلك علي حالات بث أو إذاعة أخبار أو شائعات كاذبة عمداً. وكان لابد لقانون بمثل هذا المنطوق ان يجد ترحيباً واسعاً لدي قطاعات عديدة.. لكن هناك قطاعات أخري تساورها بعض المخاوف حول كيفية تطبيق القانون وما إذا كان سوف يساء استغلاله في كبت وتكميم الأفواه.. أو تلفيق التهم والجرائم لبعض الأبرياء. ولا شك في أن مخاوفهم هذه مستمدة من ميراث النظام السابق. الذين يتخوفون من تفعيل القانون يرون أن نصوصه "فضفاضة" ويتساءلون حول كيفية إثبات "التعمد"- مثلا- في بث وإذاعة أخبار وشائعات كاذبة. خصوصا في ظل السباق الإعلامي الرهيب وسعي كل صحيفة أو وسيلة إعلامية إلي تحقيق السبق والانفراد بالخبر أو المعلومة وفي ظل حرية الإعلام. وقد يبادر الصحفي أو الإعلامي بنشر خبر بناء علي تصريح أدلي به له أحد مصادره.. وربما يكون المصدر قد تعمد الكذب- وكم من المسئولين وغير المسئولين يكذبون عن عمد- فمن الذي يتحمل المسئولية؟! هل هو الصحفي أم المصدر؟! كذلك فإن هناك أموراً كثيرة تخضع لقيم ومعايير قد تختلف من شخص لآخر فمثلاً. خلال فورة الهجوم علي السفارة الإسرائيلية. رأت وسائل الإعلام -قومية وغير قومية- أن ذلك عمل بطولي. خصوصاً أنه جاء رداً علي مقتل الجنود المصريين علي الحدود مع إسرائيل.. وهلل الجميع ل"أحمد الشحات" الذي قام بإنزال العلم الإسرائيلي من علي السفارة.. ثم قام محافظ الشرقية بتكريمه ومنحه شقة.. وبالطبع فإن كل ذلك أدي إلي تأجيج حماس المتظاهرين بعد إقامة الجدار العازل واقتحموا السفارة وبعثروا بعض محتوياتها.. وبعد ذلك جاء أسامة هيكل وزير الإعلام ليدلي بتصريحات لإحدي القنوات الفضائية يقول فيها إن تكريم "أحمد الشحات" ومنحه شقة هو تصرف خاطئ من محافظ الشرقية! مثل هذه المواقف المتضاربة من جانب مسئولين علي مستوي المحافظ والوزير ألا تثير الشكوك في كل شيء وحول أي شيء؟! كذلك تصريحات منصور العيسوي وزير الداخلية للقناة الأولي بالتليفزيون مساء الأحد الماضي- وإن كانت منطقية وقانونية في مجملها- تثير الشكوك حول عودة تجاوزات الشرطة في ظل تفعيل قانون الطوارئ. إذ قال الوزير: إن من حق ضابط الشرطة استخدام السلاح للدفاع عن نفسه. وهذا القول من جانب الوزيرقد يدفع بعض الضباط إلي التمادي في استخدام السلاح بدعوي الدفاع عن النفس. والحقيقة أن المجلس العسكري يبدو محاصراً من جميع الجهات.. فهو يتعرض لضغوط شديدة من جانب الثوار والمتظاهرين لتحقيق مطالبهم. ومن جانب آخر يريد الحفاظ علي هيبة الدولة في مواجهة مظاهر البلطجة والخروج علي القانون.. يضاف إلي ذلك الضغوط الخارجية. حيث ذكرت صحيفة الفينانشيال تايمز البريطانية تعليقاً علي تفعيل قانون الطوارئ: إن تحركات المجلس العسكري الحاكم في مصر تثير التكهنات حول نواياه فيما يتعلق بتسليم السلطة إلي حكومة مدنية! كان الله في عون الجميع.