لم يسبق للشعب الهولندي ان هرع لصناديق الانتخابات بمثل ما فعل في الانتخابات العامة الأخيرة بنسبة تصويت بلغت 73% وهو تصويت انتصر لقيم الاعتدال والليبرالية ضد الشعبوية والعنصرية والكراهية التي يتبناها جيرت فيلدرز رئيس حزب الحرية اليميني الهولندي المعادي للإسلام والهجرة والاتحاد الأوروبي لكن نتائج تلك الانتخابات الايجابية لم تخل من بواعث قلق علي مستقبل الاسلام والمسلمين في أوروبا نحو 30 مليونا وعلاقات الأخيرة بالعرب. فيلدرز لا يخفي عداءه للاسلام بعبارات صريحة مثل قوله: الاسلام لا ينتمي لنا انه يجلب العنف والخطر في كل مكان.. نحتاج إلي التخلص من الأسلمة واغلاق حدودنا.. ورغم ان فيلدرز وحزبه حل ثانيا في الانتخابات الهولندية كأفضل نتيجة يحققها في السنوات الأخيرة فانه لا يمكن التقليل من خطورة مثل هذا الصعود ليس في هولندا وحدها بل في القارة البيضاء العجوز كلها فتأثيره أوروبيا في تزايد وافكاره تجد صدي لدي أحزاب يمين الوسط في أوروبا كلها وقد انتقلت تلك العدوي إلي أول مناظرة للمرشحين الرئاسيين في فرنسا حيث احتلت قضايا الاسلام والهجرة والأمن صدارة مناقشاتها حتي ان مارين لوبن مرشحة اليمين المتطرف قالت: انها ترغب في وقف الهجرة الشرعية وغير الشرعية وان المتطرفين يتسللون بين المهاجرين وان هناك تصاعدا للتطرف الاسلامي في فرنسا. فيلدرز الهولندي استطاع خلال سنوات ان يجعل الاسلام قضية انتخابية في أوروبا يجمع حولها طيفاً واسعا من المتطرفين والقوميين المتشددين وحتي الناس العاديين الذين يعتقدون ان الاسلام يشكل خطرا علي الهوية الأوروبية وهو ما يصادف للأسف رفضا أوروبيا متناميا للوجود العربي والاسلامي هناك ما يجعل الظاهرة الشعبوية والعنصرية واقعا لا يمكن تجاهله وخطرا ليس فقط علي قيم التعددية الثقافية والاستنارة الذهنية والحرية الدينية والتسامح وهي القيم التي قامت عليها أوروبا وإنما علي علاقة أوروبا بالاسلام والعرب. لقد تهيأت الظروف أمام الظاهرة الشعبوية في أوروبا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترامب برئاسة أمريكا واللذين شكلا سندا لتلك الظاهرة فضلا عن وجود جيتوهات للمسلمين في أوروبا منذ عقود كما ان ثلة من المتزمتين منهم يراودهم حلم اسلمة أوروبا وتعريبها ويفضل الكثير منهم الانعزال ثقافيا والانغلاق اجتماعيا وعدم الاندماج والمشاركة سياسيا.. لكن ذلك يبقي في النهاية قضية سياسية لا علاقة لها بالاسلام كدين شهد مفكرون غربيون امثال المستشرق السويسري مارسيل بوازار بأنه حضارة لم تقدم فقط اسهاماتها التاريخية الخاصة في الثقافة العالمية لكنها قدمت حلولا للمشكلات الرئيسية للأفراد والمجتمعات والمشكلات الدولية التي تثير الاضطراب في العالم المعاصر. الشعبوية احياء للنرجسية والقومية المتطرفة ومرض يفت في عضد أوروبا ويطال التنوع كفكرة اساسية نهضت عليها تلك القارة ويجد اليمين المتطرف هناك فرصة للصعود علي اكتاف قضية المهاجرين وحوادث الارهاب التي ترتكبها عناصر ضالة تنتسب زورا وبهتانا للاسلام وهو ما يطرح علينا سؤالا مهما: إذا كان الغرب يناقش اليوم الاعضال الديمقراطي في ظل صعود الشعبوية عنده.. أفلا يتعين علينا ان نفعل الشيء نفسه في مرآة ذلك الصعود.. وكيف يمكن مخاطبة شعوب أوروبا واقناعها بأن المشكلة ليست في الاسلام كما يدعي فليدرز واشياعه وإنما في ضعف اندماج الاقليات المسلمة في مجتمعات الغرب الذي يتخذه بعض غلاة التطرف مسوغا لشن الحرب علي الاسلام نفسه.