نحن في زمن الكارهين ولسنا في زمن المحبين - نحن صرحاء وواضحون وشجعان في الكراهية - لكننا جبناء ونخجل من الحب - يمكن لأي منا أن يقول للآخر أنا أكرهك.. لكنه يخجل من أن يقول له أو لها: أنا أحبك.. الحب عندنا ضعف لكن الكراهية قوة - الحب نفاق - لكن الكراهية شجاعة وصراحة ووضوح - الذي يقول "نعم" منافق والذي يقول "لا" قوي وشجاع. الموافق منافق والمعارض قوي وبطل وناشط سياسي أو حقوقي أو أخ مؤمن ومسلم. هكذا بلا شروط ولا تحفظات.. الذي مع الأمر كذاب ومداهن والذي ضده بطل مغوار. والشتامون أبطال ووطنيون وذوو اللسان العف ضعفاء وجبناء. ومن أدبيات المصريين السيئة ومن ثقافتهم المتدنية قولهم إعجاباً بشخص ما: "ده ولا يهمه حد. ويقول للأعور أعور في عينه".. هل الذي يقول للأعور أعور في عينه شجاع وصريح أم وقح وسافل وقليل الأدب؟.. المصريون يرونه بطلاً صريحاً. ويقولون ذلك مدحاً له.. والحق لو أن الزمان "معدول" أن هذا القائل سيئ الخلق وكاره ومنحط والمفروض أن يكون هذا المثل الشعبي ذماً له وليس مدحاً.. وكثيراً ما نسمع ونشاهد عبر الفضائيات قول أحد ذوي اللسان الفالت: "أنا ما يهمنيش حد ومش بخاف غير من ربنا" ثم يواصل فاصل الردح والقدح تحت هذا العنوان. والسؤال: هل الذي يخاف الله سليط اللسان والقلم والموقع الإلكتروني؟ الذي يخاف الله لابد أن يخاف من القدح والردح والألفاظ النابية.. الذي يخاف الله عف اللسان والقلم حتي وهو يعترض وينتقد. الذي يخاف الله حريص علي عدم خدش الحياء وعلي قيم المجتمع وآدابه. الذي يخاف الله لا يسب ولا يلعن. فالمؤمن كيس فطن وليس طعاناً ولا لعاناً ولا فاحشاً ولا بذيئاً.. لكن هيهات. لن تجد مؤمنين في زماننا إلا ما رحم ربي وقليل ما هم. الناس يعرفون دينهم وطقوسه وتعاليمه الآن أكثر مما مضي. أنها معرفة لسان وقلم. وليست معرفة قلب وعقل. أنها معرفة الببغاوات لا معرفة أولي الألباب. الناس يكرهون بالقلب ويحبون باللسان. منحرفو القلوب ومؤمنو الألسنة والأقلام. والناس يكرمون المرء اتقاء لشره ولسانه وقلمه وليس طلباً لخيره وخلقه ودينه. وقد قيل: إذا أكرم المرء اتقاء لشره فقد وقع الأمر أو وقعت الواقعة أو اقتربت الساعة. والناس لا يكرمون الأشرار والكارهين والسبابين فقط.. بل يحبونهم ويعجبون بهم. وهذه كما قيل أخلاق النساء أصيب بها الرجال: فالمرأة كما يقال تطارد من يطردها وتطرد من يطاردها - ويزيد هيامها بمن يذلها ويسبها وينفر منها. وتزهد فيمن يطاردها ويخطب ودها ويتمني رضاها ويهم بها. كلما أشعرتها بأنها ستفقدك تتمسك بك.. وكلما ازددت حبا لها نفرت منك وابتعدت عنك علي طريقة أغنية حسين السيد وعبدالوهاب: "بافكر في اللي ناسيني وانسي اللي فاكرني وأهرب م اللي شاريني وادور ع اللي بايعني" - وصارت هذه أخلاق الرجال أيضاً وصارت كلمة الحب كلمة حق يراد بها باطل مثلها مثل كلمات كثيرة كالثورة والمعارضة والوطنية والشعب والإصلاح.. بل والدين أيضاً. إذ صار الدين نفسه مسوغاً لشرعية القتل والإجرام واللصوصية والحرابة والكراهية والحقد والاثم والعدوان وعشنا لنري الكارهين في الله بدلا من المحبين في الله.. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.. وكان يمكن للرسول صلي الله عليه وسلم أن يضيف: ويكره له ما يكره لنفسه لكن الإسلام دين حب وليس دين كراهية حتي لو كرهت لأخيك ما تكره لنفسك ويكفي أن تحب له ما تحب لنفسك.. حتي الكراهية الإيجابية مرفوضة شرعاً.. بل إن الأنجيل يقول: أحبوا أعداءكم - وقد سب رجل أحد التابعين أو الصحابة.. لا أذكر.. سباً فاحشاً.. فقال له: اقصر يا رجل واترك للمودة باباً ولا توصد كل الأبواب وليس عندي رد علي معصيتك لله في إلا أن أطيع الله فيك.. انصرف راشداً. أما هؤلاء الذين ابتلانا الله بهم فهم يكرهون ويزعمون أن كراهيتهم في الله.. وهب أننا يا قوم ضالون. تعالوا فاهدونا واحبونا ولا تسبونا ولا ترمونا بالكفر والانحراف والزندقة. اتركوا للحب باباً وللهداية باباً. وأن يهدي بكم الله ضالاً واحداً إذا كنتم مهتدين حقاً خير مما طلعت عليه الشمس ... وفواصل الردح الإعلامي بين من يرون أنفسهم معارضين ومن يرون أنفسهم موالين تؤكد أن الحرب فعلاً الآن بين منافقين وكذابين وسوقة. فالحرب في زمن الرسول والخلفاء الراشدين كانت بين فريقين واضحين. بين فريق المؤمنين وفريق الكفار. أما اليوم فلا يوجد في هذا الزمان مؤمنون وكفار. ولكن يوجد منافقون يتقاتلون تحت راية الدين أو راية الثورة أو راية الموالاة لأي نظام.. كما يتفرج علي المعركة منافقون يحبون الشتامين والسفلة والقتلة من أي فريق. أما المحبون فقد ولي زمانهم. وصار الحب والدين والفضيلة والقيم والأخلاق والمثل العليا والثورة وحقوق الإنسان كلمات حق يراد بها باطل.. فيا أيها المنافقون: احبونا ولا تسبونا. وكفاكم كراهية وسباباً واتركوا للحب بابا!!!