صفعني علي وجهي بيديه. لتسقط العصابة المربوطة حول عيني فإذا بي أراه وجهاً لوجه. ولتبدأ رحلة المعاناة بإصراره علي هلاكي. إنه اللواء عمر سليمان - الرئيس السابق لجهاز المخابرات.. هكذا يصف ممدوح حبيب - المصري الاسترالي - ل "المساء" رحلته لجوانتينامو. والتي سجن وعذب خلالها لمدة أربع سنوات وقضي منها ستة أشهر كاملة في مصر تحت التعذيب لإجباره علي الإدلاء بإفادات ضد أشخاص حددهم - كما يؤكد حبيب - رجل المخابرات الأول حين ذاك اللواء عمر سليمان.. ويضيف: ولما رفضت كانوا يستمرون في تعذيبي بلا شفقة. لقد تنقلت في رحلة التعذيب ما بين مبني المخابرات ومبني أمن الدولة وكان سليمان يشرف بنفسه علي عملية انتزاع أي إفادة مني وكذلك جمال مبارك كان يتابع ويشرف علي جلسات التعذيب حتي اشرفت علي الهلاك. * وكيف بدأت الحكاية ولماذا تم تعذيبك وهل تقدمت ببلاغ رسمي ضد من قام بذلك؟؟؟ ** تقدمت ببلاغ للنائب العام عن طريق المحامي المصري هشام محمود رمضان تحت رقم 4781 لسنة 2011. والذي تم إحالته للمجلس العسكري برقم 2969 لمقاضاة "سليمان والعادلي وجمال مبارك ورئيس مباحث أمن الدولة آنذاك" وبدأ التحقيق فيه بالفعل ولقد حضرت لمصر للإدلاء بأقوالي حول الواقعة.. رغم تحذيرات شديدة من اصدقائي وأقاربي بأنني إذا دخلت مصر. لن أخرج منها ثانية ولكنني عدت لقد تغيرت مصر بعد 25 يناير. بدأت رحلة معاناتي في أكتوبر 2001. حيث تم اختطافي من باكستان والتي ذهبت إليها لمقابلة أبوالحسن القحطاني - رجل أعمال سعودي - لإنهاء اتفاق شراكة بيني وبينه. وأثناء عودتي لاستراليا توجهت إلي المطار وبصحبتي اثنين من الشباب الألمان تعرفت عليهم - وكان أحدهم يتحدث اللغة العربية - وفي الطريق لمطار كراتشي. وخلال تواجدنا في الاتوبيس. حاول عدد من الباكستانيين المسجلين اختطاف الشباب الألمان. ومع محاولتي منعهم قاموا باختطافي معهم. لاجدني مقبوضاً عليّ أنا والشباب. وليتم ترحيلي إلي معتقلات باكستان ولم يكن عندي قضايا حيث قدمت إلي باكستان لإمضاء عقد عمل مع رجل أعمال سعودي. ورغم إفراجهم عن الشباب الألمان. إلا أنني تم ترحيلي إلي مصر لأقضي بالمعتقلات 6 شهور بدون تهم محددة لي. ورغم أنني قلت لهم أنا ليس ضدي تهم. لكنهم طلبوا - عمر سليمان وأحد رجال المخابرات - مني أن أشهد علي ناس أو أتهم ناسا معينة بأنهم أشخاص إرهابيون. إلا أنني رفضت وأصررت علي ذلك. الأمر الذي جعلهم يعذبونني لمدة 6 شهور. وخلال تلك الفترة جاء كل من جمال مبارك وعمر سليمان عدة مرات كل علي حدة. لمباشرة عملية التعذيب التي تمثلت في إعطائي مخدرات وجلسات كهرباء ووضعي في أماكن مليئة بالمياه وترك الكلاب البوليسية لمهاجمتي. كما كان يتم إجراء أعمال تعذيب ذهنية وكل ما تتخيله من تعذيب كان يتم معي. * حبس وترحيل بدون تهم كيف حدث ذلك؟ ** نعم أسبوعان كاملان قضيتهما داخل زنازين المخابرات الباكستانية تحت الأرض. بدون أي تحقق أو اتهام. حتي اخبروني بقرب عودتي إلي بلدي استراليا. ثم كانت عملية الاختطاف علي متن طائرة أمريكية إلي مصر وليبدأ الفصل الثاني من التعذيب. ثم ترحيلي مرة ثانية علي متن طائرة أمريكية إلي باكستان حيث تم وضعي بقاعدة باجرام ومنها تم نقلي لمعتقل جوانتينامو بخليج كوبا. * وما علاقة جمال مبارك وعمر سليمان بهذه الوقائع؟ ** قصتي مع عمر سليمان بدأت عندما طلب مني أن أتعاون معهم أو أن يتم التعامل معي خلال الفترة التي سأقضيها بطريقة أخري. وهي "تعذيبي". وعندما عرض عليّ أن أكون شاهداً علي ناس لم يحددهم لي. وعندما رفضت ذلك قام ب "صفعي" قلماً علي وجهي. وفي هذا التوقيت كان وجهي مغطي بغمامة ومن أثر القلم سقطت الغمامة ورأيت وجهه فغضبه جداً. وقال لي "طالما شوفت وجهي فإن حياتك خلاص راحت فلم ير أحد غيرك وجهي في هذا المكان". فسبحان الله خرجت بعد أربع سنوات لاكتشف من هو هذا الشخص وهو عمر سليمان. وأثناء استجوابي قال لي عمر سليمان. في بداية الأمر إذا أنت كشفت وجه إرهابي أو قضية إرهابية تحصل علي 10 ملايين دولار. ونحن مستعدون نعطيك 4 ملايين دولار ونحصل علي 6 ملايين دولار. بما أننا حكومة. قلت له لست إرهابيا ولا أعرف أي إرهابي. وقال لي إذا أنت قبلت العرض. يعملونني شاهد ملك في القضية. فقلت له أنني لا أعرف شيئا. وأزعجه قولي بشدة. ويضيف مؤكداً هذا الكلام وهذا المبلغ صدر من فم اللواء عمر سليمان وقال لي هناك مبالغ أكثر إذا تجاوبت معناً نأتي لك بأموال من الحكومة ونوفر لك أي دولة تريد الذهاب إليها. إلا أنني رفضت ذلك كله. أما جمال نجل الرئيس المتنحي مبارك فقد حضر الجلسات أثناء تعذيبهم لي. والتحقيق معي. حتي أقول لهم أن هناك أناسا مسلمين يعملون عمليات إرهابية في استراليا أو يجهزون لها. وهذا كنت أرفضه تماماً. فأنا لم أقبل علي نفسي وأهلي أن أشهد زوراً وعدواناً علي أحد. فأنا شعرت خلال هذه الفترة أنني خلاص مت من أثر التعذيب فكيف أشهد علي أحد زوراً. هذا الأمر تعبهم نفسياً أكثر. لأنهم شعروا أنهم تورطوا في قضيتي بما أن الشباب الألمان رجعوا وعرفوا أنني مخطوف فبلغوا زوجتي التي بدأت في إبلاغ وسائل الإعلام الاسترالية التي شنت حملات دعاية تطالب الحكومة الاسترالية بالإفراج عني. * وما هي تفاصيل رحلة عذابك؟ ** بعدما يئسوا مني بعد قضاء 6 شهور في مصر تعرضت خلالها لشبه شلل أثر التعذيب. عرفوا في استراليا أنني مختطف في مصر وانتشر في وسائل الإعلام ذلك فخشيت مصر أن أتعرض للقتل علي أرضها. لذلك تم نقلي من مصر إلي أحد المعسكرات الأمريكية في مدينة باجرام شمال أفغانستان الذين حاولوا ايضا معي الحصول علي اعترافات أو شهادة علي أحد مع عدم توافقي معهم وتعرض حالتي الصحية للتدهور يوماً بعد يوم.. وقامت زوجتي بكشف ما أتعرض له بوسائل الإعلام باستراليا فتم نقلي إلي مكان آخر. وهو أحد المعسكرات الأمريكية في قندهار جنوبأفغانستان لأقضي 15 يوماً - تحت الأرض - إلا أن حالتي الصحية لم تسمح لهم أن يعذبوني. حيث كانت يدي وقدمي لا يتحركان من أثر التعذيب في مصر. ووصلت لمرحلة أنني عند الوقوف لا أستطيع حفظ توازني. حتي بدأوا يشعرون أنني شخص انتهي وسيموت قريباً. فتم نقلي إلي سجن جوانتينامو. وفي جوانتينامو لم أتعرض إلا لمشاريع تهم. وهنا كان لابد لهم أن أشهد علي أحد لأنهم وجودوا أنفسهم في مأزق كبير بسببي. فكيف يخرجون من هذا المأزق وأنا لست متهماً بل أنا تم اختطافي أثناء عودتي إلي بلدي استراليا. خاصة وأنهم يخشون بعد عودتي إلي استراليا أن أقول أنني تم اختطافي ولست متهماً. وهناك التقيت بسامي الحاج مصور الجزيرة والسفير الافغاني عبدالسلام ضعيف وشخصيات بريطانية ووزراء حربية من بينهم وزير حربية الكويت وأمير من البحرين يدعي سليمان. وقد اختلف تعذيبي عن الآخرين نظراً لظروفي المرضية فكان معظم تعذيبهم لي ذهنياً وبالكهرباء والعمليات النفسية والأفلام. أنهم يقتلون أولادي وعدم النوم من خلال وضع 12 صندوق أسود حديد يتم نقلي من صندوق لآخر كل ساعة حتي لا أنام. ولكني لم اعترف بشيء طيلة أربع سنوات من الحبس والتعذيب. * وكيف انتهت مدة احتجازك ومن اخرجك؟ ** خرجت في عام 2005 وعندها لم يصدق المحامي أنه سيتم إخراجي خلال شهر فقط من القضية. وأننا نكسب قضية ضد جورج بوش نفسه. الذي كان في كامل قوته. بعد ذلك رجعت إلي استراليا مرة أخري وحررت قضية ضد الحكومة الاسترالية. وقد أثبت أنهم اشتركوا في تسليمي بدون وجه حق. وتمكنت خلال هذه الفترة. أن أحصل علي أوراق تثبت تورط الحكومة الاسترالية مع الحكومة المصرية - آنذاك - في اختطافي وتعذيبي. ويضيف بدأت نهاية المأساة عندما - شاء الله نهايتها - قرأ محامي أمريكي يدعي جون ماكين في جريدة باكستانية أن هناك شخصا استراليا تم اختطافه ومعه اثنان من الشباب الألمان قبل محاربة أمريكا لافغانستان. ولم أكن محارباً ضد أمريكا. فقام بالاتصال بزوجتي ليبلغها في رغبته في الدفاع عني. ثم قام بزيارتي لأعطيه القضية كاملة. وعندما وضعها في القضاء الأمريكي ضد جورج بوش تنازلوا عن القضية وتم إخراجي من السجن. لقد ترافع ماكلين متسائلاً "لماذا أنتم حابسين ممدوح حبيب طالما هو ليس عدواً ومحارباً ضد أمريكا. وما هو بمقاتل ضدكم بل هو قبض عليه قبل حربكم مع أفغانستان. ولم يقبض عليه في أفغانستان بل قبض عليه في المطار" وطلب الإطلاع علي كيفية إلقاء القبض عليّ وعند الإطلاع علي أوراقي وشعروا أن القضية ستتسبب في قلق لهم. قالوا له أنني لست متهماً في شيء وانتهت القضية بالبراءة. * وهل معك من المستندات ما يثبت حقيقة ما تدعي؟ ** نعم حصلت علي خطابات ومراسلات بين الحكومتين المصرية والاسترالية عن طريق شخص يدعي جورج مينا السفير الاسترالي في مصر. وبالطبع لم يكن هناك خطاب ينص علي تعذيبي بين الحكومتين. ولكن منها أرسلت الحكومة الاسترالية خطابا إلي الحكومة المصرية تسأل فيه عن ممدوح حبيب. فردت الأخيرة قائلة: "ممدوح حبيب في صحة جيدة ويتعامل معاملة حسنة". في حين أن هناك رسالة ثانية من مصر لاستراليا ايضا تقول: "لا نعرف مكان ممدوح حبيب فين". كما أنني أثبت أن هناك شهوداً موجودين في قضيتي لا يمكن الافصاح عنهم الآن. ولكن من بينهم شخص باكستاني كان معي تم اختطافه من اندونيسيا واسمه سعد إقبالي. ولقد قاضيت الحكومة الاسترالية ورئيس الدولة هناك وكسبت القضية بعد أن وجهت لهم اتهامات بأن لهم أيادي في تسليمي وامتنعوا عن مساعدتي. وحاولوا تلفيق قضية لي. وبعد البراءة حصلت علي جواز سفري وبعض من المال. وبعد نجاحي في كسب قضية الحكومة الاسترالية منذ 6 شهور فقط. ساعدني المال في تحرير قضية أخري ضد المسئولين عن تعذيبي في مصر وبالتحديد ضد كل من عمر سليمان وجمال مبارك وحبيب العادلي وأحمد ماهر وزير الخارجية الأسبق. وأطالب بالقصاص منهم جميعاً. علي أن يكون قصاصاً عادلاً وعلنياً.. وأتمني أن يتم إعدام عمر سليمان في ميدان التحرير جزاء لما اقترفه في حق مصر فقد كان سليمان هو الرجل الأول في كل شيء قبل مبارك ذاته. وهو المسئول عن إفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمصر. كما أن شباب مصر عليهم ألا ييأسوا وليكملوا ما بدأوه فمازال طريق الحرية طويلاً.. * انتهي كلام ممدوح حبيب وفي انتظار تحقيقات النائب العام لإظهار الحقيقة كاملة.