السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية ومدير إدارة المعاهدات والاتفاقيات الدولية الأسبق صاحب رصيد كبير من العمل الدبلوماسي والقانوني سواء علي المستوي المحلي أو الدولي وهو أحد رافعي دعوي مصرية تيران وصنافير. حاورناه حول الدروس المستفادة وسألناه عن جميع الأسئلة والموضوعات التي يرددها البعض ومنها هل يعد الحكم الصادر من القضاء الإداري وتقرير هيئة المفوضين بالإدارية العليا بمصرية تيران وصنافير؟. هل يعد انتصارا لطرف علي طرف آخر؟. وما الرد علي أولئك الذين يؤكدون أنه من حق السعوديين اللجوء للتحكيم الدولي للمطالبة بالجزيرتين اعتمادا علي ما حدث وما روجه البعض؟. وهل ستؤثر الأحكام القضائية بمصرية الجزيرتين علي العلاقات بين الشعبين سلباً. وأخيراً كيف يري الحرب علي الفساد والمفسدين التي بدأت تظهر ملامح لها في الفترة الأخيرة وتحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. فإلي نص الحوار: * دعنا نبدأ من حديث البعض عن امكانية لجوء السعودية إلي التحكيم الدولي للمطالبة بجزيرتي تيران وصنافير في حالة صدور حكم من الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين؟ ** لا يوجد أي أساس قانوني حقيقي يسمح بلجوء السعودية إلي التحكيم الدولي الذي تلجأ إليه بعض الدول عندما يكون هناك نزاع اصلاً علي شيء ما ويكون هناك اتفاق بين الطرفين علي اللجوء للتحكيم الدولي. وهذا غير متوفر في الحالة التي نتحدث عنها. فلا يوجد تحكيم دولي علي سيادة معلنة ومعروفة ومعرفة. هب مثلا أن دولة ما قالت اليوم إنها تريد اللجوء للتحكيم الدولي للمطالبة بملكية الاسكندرية هل يسمعها أحد؟!. انظر إلي قضية حلايب وشلاتين لا يمكن للسودان اللجوء للتحكيم الدولي لأن سيادة مصر معترف بها ومصر ترفض المبدأ. كل ما تملكه السودان مثلاً أن تقدم شكوي إلي المنظمات الدولية وهي تفعل بالمناسبة ولكن لا يمكن إجبار مصر علي القبول بالتحكيم الدولي. وللعلم لم يثبت من تاريخ إنشاء المملكة العربية السعودية من عام 1932 أنها قدمت شكوي وادعت أن هناك نزاعاً علي تيران وصنافير لأي منظمة دولية. والتحكيم الدولي في قضية تيران وصنافير لا محل له من الأعراب. كما أن التحكيم الدولي يشترط مشاركة تحكيم يتفق عليها الطرفان. * ولكن تم التحكيم الدولي في قضية طابا.. هكذا يقول البعض؟ ** الوضع مختلف.. طابا كانت أرضاً محتلة وهناك خلاف بينك وبين الكيان الصهيوني علي بعض النقاط الحدودية والاتفاقية الموقعة مع اسرائيل كانت تنص علي المفاوضات والتوفيق والتحكيم الدولي في النهاية. لذا تم تنفيذ الاتفاقية لتحديد النقاط الحدودية وفقاً لمشاركة تحكيم. أما في تيران وصنافير فالأمر غير وارد أو مطروح. والقضاء الوطني هو المسئول. وللعلم فإن حكم القضاء الإداري وتقرير هيئة المفوضين للإدارية العليا جواهر في التاريخ المصري ودروس في القانون الدولي لمن لا يفهم. ودروس في القانون الدستوري لمن لا يعلم. ودروس في السياسة الوطنية لمن خلع ثوب الوطنية. حيثيات الحكم تُدرس ولم تترك ثغرة. فضلا عن انها وضعت رؤية جديدة فعلاً بنظرية إعمال السيادة وتطبيقاتها في مصر طبقا لدستور 2014 الذي جعل السيادة للشعب. لنا أن نفخر أن في مصر دستوراً يضعها في حال تطبيقه في عنان السماء ولدينا قضاة فاهمون ودارسون بعمق للقوانين الدولية والدستورية. أي حديث عن التحكيم الدولي لا مجال له من الإعراب ولا توجد أي حكومة وطنية تقبل. * هل يعد حكم القضاء الإداري وتقرير المفوضين انتصار لطرف علي طرف آخر؟ ** أولا دعني أقول: ربنا يكملها بالستر حتي صدور حكم الإدارية العليا. ثانياً أنا أقول منذ البداية نحن لا نتهم أحداً بالخيانة ونتعامل مع الأمر علي أنه سوء تقدير وسوء فهم وهذا أمر يمكن أن يحدث وليس فيه عيب ولكن العيب هو الإصرار علي الخطأ. أنا أتفهم أن هناك أحدا في الحكومة أو في بعض الاجهزة يمتلك خبرة ضئيلة او تعجل في الامر او تعرض لضغوط ولكني لا افترض حتي الان ان هناك من يضعرض نفسهلجريمة الخيانة العظمي.. لقد هالني كم المستندات المقدمة للقضاء الاداري والادارية العليا والتي تعطينا الحق في المطالبة بالحجاز نفسها ولم يكن هناك مستند واحد او وثيقة واحدة تشير إلي سعودية الجزيرتين.. لا اعتقد ان هناك من يضعنفسه تحت طائلة المادة 77 من قانون العقوبات ويساعد دولة اخري ان تحصل علي حقوق أو ارضي مصرية.. لذا اقول ان الاحكام القضائية ليست انتصاراً لاحد علي احد انما هي انتصار للحقيقة.. فالحكم عنوان الحقيقة.. نحن لانخون احداً.. هدفنا كان الوصول للحقيقة ليس هذا انتصار علي احد او علي حكومتنا او علي السعودية التي لم يكن لها دخل في هذا الموضوع وساهمت البيرقراطية المصرية والسعودية في تأزيم الموقف. * هل سيكون لهذه القضية تأثير سلبي علي العلاقات بين البلدين بعد ان ظهرت في الافق ملامح لذلك؟! ** انا اعتقد ان الحكم القضائي انقذ العلاقات بين البلدين والشعبين من التوتر وقد كتبت رسالة مفتوحة إلي الملك سلمان بن عبدالعزيز قلت له فيها كنا صح امين ان هذه الارض ليست سعودية.. اقول ذلك عن علم وليس كذب.. اقوله مدعماً بالحجج السياسية والقانونية والتاريخية والجغرافية انها مصرية ولو قدر لا قدر الله لظروف القوة او البلطجة او الاستقواء بالمال ان حصلت عليها السعودية فلن ينسي الشعب المصري ذلك وسيهب حتي بعد مرور عشرات السنين لاستردادها تماماً مثلما سيهب الشعب المصري ضد اي تدنيس للاراضي المقدسة في السعودية ورجوته مراجعة الاتفاقية.. وها هو الحكم القضائي يأتي بالمخرج للجميع ويحفظ ماء الوجه للجميع وعلي الدبلوماسية المصرية والسعودية التفاهم لازالة اي اثار سلبية للموضوع ومراجعة مفاوضات ترسيم الحدود مع الوضع في الاعتبار المخاطر التي تهدد المملكة السعودية نفسها اليوم والاخطار الرهيبة التي تحيط بها. * وماذا عن امكانية مناقشة البرلمان للاتفاقية بعد الاحكام القضائية؟! ** ليس من حقه.. يا سيدي لقد رفضت المحكمة تدخل مجلس النواب في الطعن وقالت ان تدخله بشكل صراعاً بين السلطات وتقرير المنوطين اشار إلي انتهاك الحكومة لاكثر من عشر مواد في الدستور بالتوقيع علي هذه الاتفاقية..وان مصر لاتقبل التجزئة فلا اعتقد ان التعسف والتعنت يصل باحد إلي حد الخيانة العظمي للتراب الوطني ويكفي ان اولادنا يدفعون ثمن التظاهر للدفاع عن مصرية تيران وصنافير ويكفي قمة التهريج والعبث ان يحاكم شاب طفل عمره لايتجاوز 16 عاماً هو خالد بسيوني لانه ارتدي تي شيرت عليه تيران وصنافير مصرية ويخرج شبابنا بكفالة مائة الف جنيه ويمثل للمحاكم.. الوقت يحتاج إلي عاقل رشيد. * دعنا ننتقل إلي قضية اخري متعلقة باعلان الحرب علي الفساد والضربات الاخيرة ضد المفسدين؟! ** اتمني ان تكون بدايات صحيحة لتصحيح المسار.. انني المح في الافق بعض المظاهر الايجابية المتمثلة في تعقب الرقابة الادارية لبعض الفاسدين وتوجيه ضربات ضد بعض اوكار الفساد ونحن نتمناها حرباً ضد مؤسسة الفساد وتعتبر انفسنا كلنا جنوداً في هذه الحرب.. ان من الاشياء المؤسفة ان يجد المواطن انه بعد ثورة 25 يناير التي حررت العقل المصري من عبادة الفرد وحررت مؤسسات الدولة من التبعية وجاءت الموجه الثانية للثورة في 30 يونيو لتحرر البلاد من الغاشية الدينية.. من الاشياء المؤسفة ان نجد ارتباكاً في المشهد وعودة اشخاص النظام القديم حتي افكار النظام تعود في الاتفاق مع الصندوق ورفض الحلول البديلة التي قدمناها في دراسات متعددة للخروج من الورطة التي يريد البعض توريطنا فيها.. نتمني ان تكون هناك وقفة جادة لدراسة كافة المشروعات التي يتم الاعلان عنها للاسف الشديد لدينا مساكن خالية اكثر من المطلوب ونستنزف مواردنا وبالديون لبناء مساكن جديدة وعاصمة جديدة ننفق عليها 35 مليار دولار في خرسانة ومرافق.. لايعقل ان يكون لدينا مريض في غرفة الانعاش وبدلاً من ان نفكر في كيفية اسعافه نفكر في اخراجه من الغرفة لكي نشتري له بدلة جديدة.. لابد ان يتغير المفهوم دون عناد او مكابرة.. ودون حسابات ضيقة ودون النظر لانتصار طرف وهزيمة طرف اخر.. انها بلدنا ويجب ان نحرص عليها وعلي اولادنا.. في النهاية اذا كان توجه نظام الحكم اليوم ضد مؤسسة الفساد فنحن كلنا جنود لان المعركة ليست سهلة فالفساد منتشر داخل اجهزة الدولة وخارجها وهناك رجال اعمال من سلالات "فريزين" تربت علي الحرام 40 سنة حتي ترعرت واصبح لديها مناطق نفوذ وسيطرة في الدولة.. اذا كان هذا فعلاً توجه النظام ومصمم بجدية علي مواجهة الفساد فإن هذه تعد نقطة انقلاب ايجابي ستفرق كثيراً معنا ولو انسد جزئياً ثقب الفساد سنمر من الازمة وسيتعافي الاقتصاد ونستطيع زيادة الدعم للمتوسطين والمعدمين الذين يأكلون الدبش حالياً.. الحلول موجودة فقط تبقي الارادة السياسية والنية الصافية وقتها ستجد الشعب كله تغير تغيراً ايجابياً.. هذا الشعب الذي وقف مع جمال عبدالناصر عندما اعلن التأميم وانحاز للفقراء والغلابة.