أيام قليلة أو ربما ساعات وتقوم اللجنة المكلفة من الرئيس بفحص ومراجعة ملفات الشباب المحبوسين خاصة في قضايا الرأي والتظاهر القائمة الثانية من هؤلاء الشباب للعفو عنهم. اللجنة - المنبثقة عن المؤتمر الوطني الأول للشباب - أعلنت أن القائمة الثانية التي يجري إعدادها حاليا سيكون عدد المطلوب العفو عنهم فيها أكبر من سابقتها الأولي وهذا أمر جيد في حد ذاته.. لأن العفو سيعطي هؤلاء الشباب فرصة ذهبية لأن يكونوا مواطنين صالحين بعد أن اتضحت الرؤية أمام أعينهم.. كما يسمح لهم بمواصلة دراستهم وأعمالهم وعودة الفرحة الغائبة إلي بيوتهم فتهدأ الأسر وتطمئن القلوب. الأخبار المقتضبة التي تخرج من اللجنة تكشف أن هناك معيارين في الفحص: الأول.. ألا يكون المطروح اسمه ينتمي إلي تنظيم إرهابي. والثاني.. ألا يكون قد ارتكب جناية أو تخريبا أو عنفا حيث يتم استبعاد هؤلاء تلقائيا.. وأن اللجنة لا تنظر إلي الأسماء بل إلي الحالات حيث قسمت المطلوب العفو عنهم إلي 3 أنواع: شباب مازالوا قيد التحقيق أمام النيابات. ومحبوسين احتياطيا علي ذمة قضايا. وآخرين صدرت ضدهم أحكام نهائية وباتة.. وبالتالي.. فإن قرار العفو سيصدر عن هذه الحالات وفق ما أقره الدستور ونظمه القانون حسب اختصاصات السلطات الثلاث التنفيذية "الرئيس" والتشريعية "البرلمان" والقضائية. دعوني أتوقف لحظات.. متحفظا علي المعايير التي أقرتها اللجنة بالنسبة للقائمة الثانية. ورافضا تماما لما يطلبه البعض من التوسع في حالات العفو: * أتحفظ علي استبعاد المنتمين إلي أي تنظيم إرهابي ومن ارتكبوا جناية أو تخريبا أو عنفا فقط.. بل يجب إضافة نوعين آخرين: 1- "الإخوان".. صحيح أنهم جماعة إرهابية بحكم قضائي ولكن لابد من ذكرهم صراحة وبالاسم لا بالانضواء تحت عنوان "تنظيم إرهابي".. ولا أعلم لماذا تغافلت اللجنة الآن عن ذكرهم بالاسم مع أنها ذكرتهم صراحة خلال إعداد القائمة الأولي؟ 2- من هاجموا الجيش والشرطة.. وقد قلت في هذه الزاوية يوم 14 نوفمبر الماضي تحت عنوان "لا عفو عمن هاجم الجيش وشرطة بلاده" إنه لا يجب العفو مطلقا عن كل من هاجم أيا من المؤسستين ولو سلميا برفع لافتات تقول "يسقط حكم العسكر" و"الداخلية بلطجية" لأن المطالبة بإسقاط الجيش والشرطة معناها إسقاط البلد نفسه في أتون الفوضي والتقسيم.. فهل أمثال هؤلاء يستحقون العفو والرحمة..؟؟ * وأرفض جملة وتفصيلا مطالبات الأستاذين حافظ أبوسعدة وجورج إسحاق وغيرهما بالعفو عن أحمد دومة وأحمد عادل وعلاء عبدالفتاح علي وجه الحصر.. دائما يناوران ويحاوران ويدسان الأسماء الثلاثة في كل كلام.. تصريحا أو تلميحا.. مطالبات أصبحت تثير الغثيان. أبوسعدة طلب ذلك صراحة منذ أيام في مقال.. وإسحاق طلب نفس الطلب كثيرا صراحة وضمنيا أمس الأول حيث قال إن الإفراج عن المحبوسين علي ذمة القانون خلاف المادة 10 التي قضي بعدم دستوريتها بيد الرئيس ولجنة العفو التي شكلها لفحص المحبوسين احتياطيا وأصحاب الأحكام في قضايا حرية الرأي والتظاهر. ليت الأخوين أبوسعدة وإسحاق يدركان أن أحد معياري اللجنة "ألا يكون المطروح اسمه قد ارتكب جناية أو تخريبا أو عنفا".. وليتهما يتذكران التهم الموجهة للثلاثة.. فأحدهما حرق المجمع العلمي وهاجم الشرطة بالمولوتوف واعترف بذلك بالصوت والصورة. والثاني تعدي علي الشرطة وعلي محكمة عابدين. والثالث هاجم الشرطة أمام مجلس الشوري واستولي علي أجزاء من معدة عسكرية "يعني حرامي كمان".. أليست هذه جرائم جنائية وتخريبا وعنفا تتناقض تماما مع المعيار الثاني من معايير العفو وليست حرية رأي وتظاهرا سلميا؟؟.. إلا إذا كانا يعتبران الحرق والتخريب والتعدي علي الشرطة والمحاكم والسرقة حرية رأي وسلمية..!! مستحيل أن نساوي بين مواطن شريف يعبر بسلمية حقيقية سواء عن معاناته من ارتفاع الأسعار مثلا أو عن تمسكه بأرض يعتقد ولو خطأ أنها مصرية وبين آخر يحرق ويخرب ويعتدي علي مؤسسات العدالة وحماة القانون.. هذا من رابع المستحيلات.. ولن يكون. اللهم ارحم الشريطي.. أعلم جيدا أن الموت هو الحقيقة الوحيدة علي الأرض.. وأنه حق وسيأتينا جميعا.. فنحن مجرد ودائع عند أهلينا ولابد يوما أن ترد الودائع.. لكنه في ذات الوقت مصيبة كما وصفه خالق الكون.. لذا فقد كانت صدمتي شديدة أوجعت قلبي بحق ومازلت أعاني منها عندما علمت بوفاة أخي الأصغر وصديقي أحمد الشريطي. الشريطي كان مثالا للأدب والأخلاق والمثابرة والسماحة وقوة التحمل علي آلام المرض لكنه لا يعظم علي من خلقه.. الفراق صعب خصوصا فراق الأحبة.. ولعله ابتلاء من الله أن نفقد كل حين حبيبا وعزيزا يصعب تعويضه. اللهم ارحمه واغفر له وعوضنا وأسرته خيرا عنه وأسكنه فردوسك الأعلي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وألحقنا به علي خير.. و"نا لله وإنا إليه راجعون".