بعد فترة ترقب لم تطل أقدمت الحكومة علي ما أسمته القرارات المؤلمة والعلاج المر وفي المقدمة تحرير سعر الصرف بما يعني ترك سعر صرف الجنيه المصري لآليات العرض والطلب. وهو ما أزال عن كاهل البنك المركزي مسئولية الدفاع عن قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية طوال السنوات الماضية من احتياطياته بالنقد الأجنبي. كما أقدمت الحكومة في وقت متزامن علي تخفيض دعم الطاقة. وفيما بدأت الحكومة إجراءات الإصلاح الاقتصادي بقوة. لم تبدأ بنفس القوة إجراءات الحماية الاجتماعية للفئات التي سوف تتأثر بتخفيض الجنيه بنحو 75% وتخفيض أسعار الطاقة بنسب تتراوح بين 35% و90%. واقتصر التحرك الحكومي في هذا المجال حتي الآن علي زيادة حصة الفرد في بطاقة التموين بمبلغ 3 جنيهات فقط. يري خبراء اقتصاد ان الحماية الاجتماعية يجب أن تسبق أو تتزامن مع الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي تترك آثاراً سلبية علي معيشة المواطنين ووصفوا الزيادة النقدية أو المزايا العينية بأنها مجرد مسكنات ويجب أن تكون هناك سياسات متكاملة في هذا المجال فيما أكد مسئول ساابق بصندوق النقد الدولي ان زيادة حصة الفرد في البطاقة التموينية من 18 إلي 21 جنيهاً لا تكفي الاحتياجات الكلية للفرد ولكنها ترتبط بإمكانيات الحكومة. قالت الدكتورة هبة الليثي أستاذ الاقتصاد بكلية الإحصاء والعلوم السياسية والخبيرة في ملف الفقر: ان الحماية الاجتماعية ليست فقط توزيع دعم عيني أو سلعي فهذا مجرد مسكن فقط وليس علاجاً لمشكلة الفقر مشيرة إلي ضرورة تكامل سياسات الدولة لزيادة معدلات نمو محابي للفقراء وخلق فرص عمل فضلاً عن خدمات صحية جيدة تشمل جميع الفئات الفقيرة والضعيفة والطبقة المتوسطة. إلي جانب توفير خدمات الصرف الصحي والمياه النظيفة للمواطنين بكافة أنحاء البلاد. فضلاً عن اتاحة خدمات تعليمية جيدة يجب أن نبدأ فيها فوراً حتي نجني ثمارها بعد سنوات. أشارت إلي أن منظمة العمل الدولية تعرف الحد الأدني من الحماية الاجتماعية بتأمين دخل لكل فرد في الدولة يساوي حد الفقر. وتقديم مساعدات نقدية لكبار السن. وخلق فرص عمل لائقة للقادرين علي العمل إلي جانب تأمين صحي وحماية صحية لكافة فئات الشعب. "إذن الحماية الاجتماعية مش بس مساعدات نقدية" تقول الليثي: مشيرة إلي ضرورة أن يكون لكل فرد فرصته في تأمين الدخل لحياة كريمة وتعميم التأمين الاجتماعي علي مختلف الفئات ومن بينها المزارعين. وقالت: إن الإجراءات الحالية للحماية الاجتماعية تعتمد علي برنامجي تكافل وكرامة اللذين يستهدفان الفقراء وكبار السن" وهذا عبارة عن قرص اسبرين فقط". لافتة إلي أن وزارة التضامن كان لديها برنامج يطلق عليه "فرصة". كان يستهدف القادرين علي العمل ومساعدتهم في الحصول علي فرص تشغيل. ولكن لم نسمع جديداً عن هذا البرنامج. وأكدت انه كان علي الحكومة أن تبدأ في برنامج الحماية الاجتماعية قبل أن تبدأ إجراءاتها الاقتصادية الصعبة لتخفيف الآثار السلبية علي المواطنين جميعاً وليس الفقراء فقط لأن الطبقة اللمتوسطة أصبحت مهددة حالياً بالسقوط في براثن الفقر. تري الدكتورة أمنية حلمي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ضرورة مراعاة العدالة الاجتماعية في كافة الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة ضاربة المثل برفع أسعار البنزين والذي يساوي بين من يركب سيارة "فيات" ومن يركب "هامر" أو مرسيدس. وتساءلت عن مصير "كروت البنزين" التي أنفقت الدولة عليها ملايين الجنيهات ثم جمدتها في المكاتب علي الرغم من انها كان يمكن أن تحقق بعض العدالة الاجتماعية. وفيما رحبت حلمي إلي مبادرة القطاع الخاص بزيادة مرتبات الذين يتقاضون أقل من 1500 جنيه إلا انها تساءلت عن موقف أصحاب المعاشات وموظفي الحكومة والذين انخفض دخولهم بنسبة انخفاض الجنيه تعوضهم الدولة بدورها!!؟ طالبت بأن يتحمل الجميع أعباء الإصلاح الاقتصادي مشيرة إلي أن الواقع يؤكد ان ذلك لم يحدث في ظل عدم وجود ضريبة تصاعدية علي الدخول فضلاً عن تجميد ضريبة الأرباح الرأسمالية لثلاث سنوات أخري مؤكدة ان الآثار السلبية للإجراءات الاقتصادية الأخيرة تجاوزت الفقراء والمهمشين إلي الطبقة المتوسطة التي تسهم بقدر كبير في تنشيط الاقتصاد عن طريق الاستهلاك وإذا لم يتم دعم هذه الفئات فسوف ترتفع معدلات الفقر فضلاً عن تأثر معدلات النمو الاقتصادي. أشارت إلي قرارات المجلس الأعلي للاستثمار وما تضمنتها من حوافز وإعفاءات ضريبية وإصلاح لمناخ الاستثمار مؤكدة علي ضرورة تحرك القطاع الخاص بقوة لزيادة استثماراته وصادراته للخارج بهدف دفع عجلة النمو ليشعر المواطن ان هناك ثماراً للإصلاح الذي يدفع ثمناً كبيراً له. من جانبه يري فخري الفقي المستشار السابق لصندوق النقد الدولي ان حزمة الإصلاح الذي يقدمه الصندوق تتضمن برنامج تفصيلي للحماية الاجتماعية. مشيراً إلي أن زيادة الحكومة لمخصصات الفرد في الإجراءات الجديدة من 18 إلي 21 جنيهاً لا تكفي الاحتياجات الكلية للفرد ولكنها ترتبط بإمكانيات الحكومة الذي تخطي العجز في ميزانياتها أرقاماً فلكية. قال: ان عناصر وشبكة الحماية التي ينصح بها برنامج الإصلاح الاقتصادي تعزز منظومة دعم سلع البطاقات التموينية قبل التحول إلي الدعم النقدي في مراحل لاحقة من خذوات تنفيذ البرنامج. طالب الفقي بوضع برنامج حماية اجتماعية سريعاً إلي أكثر من 5 ملايين من العاطلين عن العمل تمثل 13% تقريباً من القوي العاملة عبر منحهم معاشات ومخصصات مالية لمدة عام إلي حين توفير وسائل للعمل خلال تلك الفترة عبر تأهيلهم ضمن القطاع الخاص أو تمكينهم لاقامة مشروعات صغيرة. أوضح ان الحكومة يجب أن تمد مظلة الحماية الاجتماعية إلي الرعاية الصحية للعاملين باليومية ومن لا تشمله خدمات التأمين الصحي. بالإضافة إلي التوسع في خلق فرص عمل للشباب والعاطلين وهي من أهم شبكات الحماية الاجتماعية ولن تتحقق إلا عن طريق جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. أضاف المستشار السابق لصندوق النقد الدولي: إلي أن المعاشات التقاعدية تحتاج إلي مزيد من المراجعة وزيادة قيمتها ومنحها امتيازات لتلك الفئة التي تحتاج إلي وضع مختلف من الرعاية والمتابعة. منوهاً إلي ضرورة زيادة المستفيدين من برنامج تكامل وكرامة الذي يخدم أكثر من مليون أسرة. طالب الفقي كذلك بفتح المجال أمام منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لتخفيف الأعباء علي الفئات المهمشة ومحدودي الدخل وتقديم خدمات مساعدة في مجال توزيع الغذاء والرعاية الصحية والخدمات التعليمية وتدريب الشباب. قال د. هشام إبراهيم أستاذ التمويل: ان الحكومة يجب أن توفر مصادر بديلة بعيدة عن جيوب المواطن لتمويل ميزانياتها وتخفيض عجز الموازنة. مشيراً إلي أنه رغم تفهمه للإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة بتعويم الجنيه وقرارات المجلس الأعلي للاستثمار إلا انه يندهش من عدم فرض ضريبة تصاعدية تفرض من الغني للفقير لزيادة الإيرادات الضريبية وتنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد علي ضرائب الدخل والقيمة المضافة. حذر من موجة تضخمية كبيرة في الأسعار خلال الفترة الحالية والمقبلة إلي حين تنفيذ شبكة مناسبة للحماية الاجتماعية تقلل من أثر تلك الموجة. أكد محمد متولي نائب الرئيس التنفيذي لشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار علي ضرورة أن تشارك الحكومة في تحمل آثار الإصلاح عن طريق ترشيد الانفاق الحكومي بنسب تتراوح بين 10 إلي 15%. لسد العجز الهائل في الميزانية. والذي يصل إلي 300 مليار جنيه أي ثلث ميزانية مصر المقدرة ب 900 مليار جنيه تذهب لخدمة الدين. مشيراً إلي أن التركيز يجب أن يكون علي خفض الانفاق بتقليل أعباء الدين السنوي علي الميزانية. قال: ان الحكومة عليها أن تسعي بتوجيه المشاريع التي تخطط لها للقطاع الخاص من أجل الحد من زيادة أصل الدين. وتوفير حيز مثلي يساعد علي توجيهه للخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. يري طارق توفيق وكيل اتحاد الصناعات انه مع وصول قرض الصندوق الاجتماعي سيتم إصلاح عجز الموازنة وضبط هيكل الأجور ليستفيد المواطن البسيط من الإصلاح الاقتصادي علي المدي القريب. أشار إلي أن زيادة الاستثمارات الناتجة عن ثقة المستثمرين في الاقتصاد المحلي ستعمل علي ارتفاع دخول المواطنين ما سيقلل من أثر التضخم المتوقع من أي إجراءات إصلاحية.