الشركات الفائزة بجوائز القومي للسينما نجحت بعيداً عن غواية مخاطبة الغرائز أفضل ما في نتائج المهرجان القومي للسينما في دورته الحالية فوز شركات الإنتاج الخاصة بعيداً عن الشركة المتسيدة علي التيار التجاري المسيطر علي السوق هذا برغم اشتراكها ب6 أفلام من انتاج 2015 في مسابقة الفيلم الروائي. الشركات الخاصة التي فازت بجوائز القومي "2016" هي شركة "تي برودكش" وشركة "خيال" و"ماس بكتشر" هذه الشركات بنوعية الأفلام التي قامت بتدعيمها والتي فازت بجوائز المهرجان تستحق التحية والتقدير لأنها ببساطة زرعت الأمل في امكانية وجود وبقاء سينما لا تعتمد علي التوليفة التجارية التي تشترط وجود راقصة "بلدي" ومطرب راقص "بلدي".. وحين استخدم "بلدي" وليس "شعبي" فأنني أعني مستوي الذوق الذي يثير حفيظة الباحثين عن متعة فنية لا تخاطب الغرائز فقط ولا تستدعي بالضرورة صوراً لحوحة تكرس مظاهر السوقية والبذاءة وخشونة الملافظ وتؤكد مراراً وتكراراً علي الجانب المتدني والجهول والقبيح من العادات المكتسبة وغير الأصيلة في المجتمع المصري. الأفلام الفائزة في هذه الدورة تؤكد أن اللجنة الموقرة التي اجتمعت آراؤها عند اختبار هذه التجارب. لا شك انتصرت باختيارها هذا للفن ولنوعية الترفيه الجاد. وليس هناك أي تعارض بين معني "الترفيه" وما تعنيه "الجدية".. لأن الفنون علوم ومهارات تقنية علمية والخيال يشطح كيفما شاء ولكن وفق أصول تراعي جماليات الصورة وتأثيرها والقيمة الموضوعية وتتسق مع روح المرحلة التي نعيش فيها. ولاشك أن هاني خليفة كمخرج يستحق أن يحظي بجائزة الأحسن. فمنذ أن بدأ مشواره الفني وهو يمتعنا ويدهشنا بأعمال فنية ممتعة "سهر الليالي" وحتي المسلسل الذي يعتبر فصيلاً فنياً مختلفاً لأنه يوفر مساحة أكبر بكثير ويتسع لخيوط درامية عديدة تتطلب "غزلاً" أكثر تركيباً ورهافة في المعالجة حتي يحقق تأثيره الكلي. هذا المسلسل برغم محدودية عرضه يعد من المسلسلات الجيدة جداً والعاكسة للمتغيرات التي طرأت علي المجتمعين المصري والعربي من دون تزييف أو مبالغة. فيلمه الفائز "حبيبي سكر مر" يتميز بنفس القدرة التي كشف عنها في أعماله السابقة ألا وهي سبر أغوار شرائح من الشباب المصري الآن برهافة جراح يعرف أين يكمن الوجع أو الخلل في تركيبة مجتمع يتعرض لمتغيرات هائلة في بنيته العقلية والعقائدية وتقاليده وثوابته. ولن يختلف كثيرون حول المكسب الكبير الذي يمثله مخرج مثل تامر محسن الذي لفت الأنظار بقوة علي الشاشة الصغيرة وحقق نجاحاً مشهوداً بأعماله المتميزة منذ أول مسلسل يخرجه "بدون ذكر أسماء" ووصوله إلي درجة من الإتقان والتميز موضوعياً وفنياً بالمسلسل الاجتماعي القوي "تحت السيطرة" أنه لا شك مكسب للوسيطين "السينما والتليفزيون". وفوزه بجائزة العمل الأول عن فيلم "قط وفأر" يعد شهادة موضوعية بأنه جدير بالفوز. واعتماده علي سيناريو من تأليف وحيد حامد شهادة من الأخير المخضرم صاحب الخبرة والتجربة الطويلة بأننا إزاء مخرج سوف يضيف للسينما والتليفزيون فناناً لا يفرط في أهم عناصر العمل الفني ألا وهو المصداقية والإلتزام. موضوعياً وجمالياً واجتماعياً.. وهنا ينبغي أن نشير أيضا إلي دور الشركة المنتجة "نيوسنشري" التي تشكل بالنسبة لنا قوة دافعة بإمكانها تزويد السينما بمصادر مغايرة للترفيه والبهجة ومراعاة عدم السقوط في غواية النزعة "التجارية" الضارة. وحيد حامد فاز عن الفيلم نفسه بجائزة أفضل سيناريو باستحقاق لا شك وأن كنت اعتقد أن سيناريو فيلم "خارج الخدمة" كان جديراً بالتنويه علي الأقل. وعلي أي حال يعتبر هذا الفيلم "خارج الخدمة" من الأعمال التي تنفرد "بنفس" جديد.. فهو عمل خارج القولبة. وخارج السائد والمألوف. ويحتمل أكثر من قراءة ويمتلك عناصر تفوق مفاجئة مثل أداء "شيرين رضا" أنها بالفعل أفضل ممثلة وكذلك "أحمد الفيشاوي" كأحسن ممثل فالدور يضيف أبعاداً جديدة لإمكانيات البطلين. نتائج الدور العشرين للمهرجان التي أعلنت يوم الخميس الماضي فتحت أبواباً لاستقبال المزيد من الإمكانيات للسينما الوطنية. وجددت الأمل في صناعة جماهيرية تعتبر من أقوي القوي الناعمة والقادرة علي تجديد دمائها. وإحياء السلالات القديمة من كبار النجوم الذين جعلوا السينما المصرية هوليوود العرب. بسلالات جديدة من صلب الذين رحلوا مثل "ناهد السباعي" حفيدة "هدي سلطان وفريد شوقي" والتي فازت بعملين في المهرجان الروائي "حرام الجسد. وسكر مر" وفي المهرجان التسجيلي والروائي القصير "حار جاف صيفاً" و"شيرين رضا" تطل بإمكانيات مفاجئة. وكذلك "أحمد الفيشاوي" وأيضا "محمد فراج" الممثل المتنوع والمتميز أيضا. الحياة الفنية إذن تتجدد أو هذا ما نأمله ونراه في الأفق القريب فالباب المفتوح للمواهب ليس بعيداً وكما نري يدلف منه عدد كبير من المخرجين الجدد "تسعة مخرجين" وها هو يفوز أحدهم بجائزة خاصة يستحقها عن جدارة إنه المخرج "كريم حنفي" وفيلمه المتميز "باب الوداع" عمل خارج عن السياق المألوف يتميز بتركيبته الفكرية والمتأملة في الحياة والموت والجمال وهو بلغة بصرية لافتة واستخدام للإضاءة خلاق وجدير بالتأمل. ومن العناصر الإبداعية قليلة الحظ نقدياً كبيرة الأهمية عظيمة الإسهام في تحقيق التأثير الذي يمارسه الفيلم علي الحواس عنصر الموسيقي والذي يعتبر "تامر كروان" من أفضل الفنانين في استخدام علي أهمية هذا العنصر وتكريسه وذلك بقدرته علي الإيهام والاحتواء وخلق الأجواء المناسبة لموضوع الفيلم وتعميق مضامينه ونوعه وإشاعة المشاعر الحسية بخلق المعادل السمعي للمعطيات الخاصة بالمواقف الرئيسية في بنائه موضوعياً وفنياً ولذلك كان من المتوقع أن يفوز"كروان" بجائزة أحسن موسيقي عن فيلم "خارج الخدمة" للمخرج "محمود كامل". ومن العناصر الخلاقة في فن الفيلم. عنصر المونتاج. أنه العنصر الأهم في عملية صياغة الفيلم وبعث مفرداته في كيان عضوي متلاحم وحسي وحيوي ومن ثم يعتبر "المونتير" قوة مؤثرة يمكن أن تدفع بالتجربة السينمائية أو تهوي بها ومن هنا فاز فنان المونتاج "رجب العويلي" بجائزة أحسن مونتاج عن فيلمه "شد أجزاء" الذي يقدم إلي جانب المونتير مخرجاً متميزاً يبدأ أولي تجاربه في السينما وهو "حسين المنياوي" وذلك بعد تجربة متميزة في التليفزيون وهي مسلسل "عد تنازلي". لجنة التحكيم التي انتهت إلي هذه النتائج الموفقة في أغلبها تضم الزميلة الكاتبة "إقبال بركة" رئيساً والفنانة "لبلبة" والفنان "سناء شافع" والمخرج والكاتب "شوقي حجاب" والموسيقار "هاني شنودة" والناقد "كمال رمزي" والمونتيرة "د.تماضر نجيب" ومدير التصوير "محسن أحمد" والمنتج الفني "د.إبراهيم المشنب" ونحن نعرف أن النتائج في أي مهرجان عادة ما تعكس توجهات "الحكام" والمتأمل للجوائز سوف يجد إنحيازاً موضوعياً حميداً للفن السينمائي وللجانب الجمالي في عناصره المختلفة وللمهارات التي كشف عنها في مجالات الإبداع الخاصة بتجربة الفيلم.