* يسأل محمود. ع. من القاهرة: تجاوزت أمي التسعين. وعند وفاتها قمت كنوع من البر بتغسيلها بنفسي. فما رأي الدين في ذلك؟ ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن مستشار العلوم الشرعية - بالأزهر: إن للأم قداسة عظيمة في الإسلام. وحرمة لا يعلو عليها حرمة. ولذا ألزم الإسلام بضرورة الاستئذان قبل الدخول عليها حال حياتها. ونجد ذلك واضحاً في حديث عطاء بن يسار. ان رسول الله صلي الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله. استأذن علي أمي؟ فقال: "نعم" قال الرجل: إني معها في البيت. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "استأذن عليها" فقال الرجل: إني خادمها. فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: "استأذن عليها. أتحب ان تراها عريانة؟ قال: لا. قال: "فاستأذن عليها". وإذا كان هذا في حال الحياة فمن باب أولي ان يظل التحريم قائما بعد الموت. واعلم ان الذي جري عليه العمل ان المرأة إذا ماتت غسلتها النساء دون الرجال. إلا الزوجة. فيجوز لزوجها ان يغسلها. وله ان يترك ذلك للنساء. وإذا مات الرجل غسله الرجال دون النساء إلا الزوج. فيجوز لزوجته ان تغسله. ولها ان تترك ذلك للرجال. لحديث عائشة رضي الله عنها: ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لو متي قبلي لغسلتك وكفنتك وصليت عليك". "أخرجه ابن ماجة". * يسأل حسين فتحي من الغرين: هل تكرار الذنب يمنع التوبة؟! ** يجيب: قوله تعالي: "وهم يعلمون".. فيه أقوال.. وقال الحسن بن الفضل: "وهم يعلمون" ان لهم ربا يغفر الذنب. قلت: وهذا أخذه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: "أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالي أذنب عبدي ذنبا فعلم ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال اي رب اغفر لي ذنبي - فذكر مثله مرتين. وفي آخره: اعمل ما شئت فقد غفرت لك" أخرجه مسلم. وفيه دليل علي صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب؛ لأن التوبة الأولي طاعة وقد انقضت وصحت. وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني الي توبة أخري مستأنفة. والعود الي الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنه أضاف الي الذنب نقض التوبة. فالعود الي التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنه اضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم. وانه لا غافر للذنوب سواه. وقوله في آخر الحديث "اعمل ما شئت" امر معناه الإكرام في أحد الأقوال؛ فيكون من باب قوله "ادخلوها بسلام" "الحجر:46". وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب بأنه مغفور له ما سلف من ذنبه. ومحفوظ إن شاء الله تعالي فيما يستقبل من شأنه. وذلت الآية والحديث علي عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه. قال صلي الله عليه وسلم: "إن العبد اذا اعترف بذنبه ثم تاب إلي الله تاب الله عليه". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم". وهذه فائدة اسم الله تعالي الغفار والتواب. * وهل التوبة تسقط الحد؟ ** لا خلاف فيما اعلمه ان التوبة لا تسقط حداً؛ ولهذا قال علماؤنا: إن السارق والسارقة والقاذف متي تابوا وقامت الشهادة عليهم أقيمت عليهم الحدود. * ومتي لا يقبل الله التوبة؟ ** روي الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر". قال: هذا حديث حسن غريب. ومعني ما لم يغرغر: مالم تبلغ روحه حلقومه؛ فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به. * وأما قوله تعالي: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون". * قال القرطبي: قال قتادة وعطاء الخرساني والحسن: نزلت في اليهود كفروا بعيسي والإنجيل. ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلي الله عليه وسلم و القرآن. وقوله: "لن تقبل توبتهم" مشكل لقوله: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات" "الشوري:25" فقيل: المعني لن تقبل توبتهم عند الموت. قال النحاس: وهذا قول حسن؛ كما قال عز وجل: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حني اذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن" "النساء:18"... وقيل: "لن تقبل توبتهم" التي كانوا عليها قبل ان يكفروا؛ لأن الكفر قد أحبطها. وقيل: "لن تقبل توبتهم" إذا تابوا من كفرهم الي كفر آخر؛ وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلي الإسلام... وقال قطرب: هذه الآية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون. فإن بدا لنا الرجعة رجعنا إلي قومنا. فأنزل الله تعالي: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم" اي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون علي الكفر؛ فسماها توبة غير مقبولة¢ لأنه لم يصح من القوم عزم. والله عز وجل يقبل التوبة كلها إذا صح العزم.