للعام الثاني وربما الثالث الذي لم تتراجع حدة المشكلات السياسية والاقتصادية العالمية والاقليمية والتي طرحت نفسها بقوة خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي والتي تعقد كل عام بالعاصمة الامريكيةواشنطن بحضور كافة البلدان اعضاء المؤسستين الدولتين. فعلي المستوي الدولي فالاقتصاد العالمي مازال يعاني من معدلات نمو منخفضة علي خلفية التباطؤ الاقتصادي وتراجع حركة التجارة. وانخفاض اسعار النفط. وعلي مستوي منطقة الشرق الأوسط يتسم الاداء الاقتصادي بالاحباط وفي المقدمة العديد من البلدان العربية ويعود هذا الاحباط جزئياً إلي الصراعات السياسية وزيادة الهجمات الإرهابية وانتشار التطرف فضلاً عن زيادة اعداد اللاجئين من دول الصراعات السياسية. وذلك وفقاً للمرصد الاقتصادي للمنطقة الذي اصدره البنك الدولي خلال اجتماعات الخريف. اشار المرصد إلي أنه بدراسة قاعدة بيانات الاجانب الذين ينضمون إلي داعش. وجدنا أن العوامل الأكثر قوة وراء انضمام الأجانب إلي داعش ترتبط بنقص الاحتواء الاقتصادي والاجتماعي في بلدان الاقامة. ولذلك فإن تعزيز مستوي الاحتواء. قد لا يخفض مستوي التطرف العنيف فحسب بل قد يحسن ايضا الأداء الاقتصادي لبلدان المنطقة. تحسن خلال العامين المقبلين توقع المرصد أن يحقق الشرق الأوسط معدل نمو يصل في المتوسط إلي 2.3% هذا العام. بانخفاض نصف نقطة مئوية عن العام الماضي لافتاً إلي أن اسعار النفط المتدنية. والتي من المتوقع أن تتراوح بين 50 و60 دولاراً للبرميل حتي نهاية العقد الحالي. اضعفت النمو في البلدان المصدرة للخام بالمنطقة وخاصة دول الخليج التي تشير التقديرات إلي أن معدل نموها لن يتجاوز 1.6% عام 2016 فيما يتوقع المرصد أن يتحسن معدل نمو المنطقة إلي 3.1% و3.5% خلال العامين المقبلين. حيث تواصل حكومات المنطقة تطبيق اصلاحات لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. وعلي الرغم من أن انخفاض اسعار النفط لها آثارها السلبية علي الدول المصدرة والإيجابية علي الدول المستوردة إلا أن هذه المكاسب لم تحقق بعد. بسبب انتشار آثار الحروب الناشبة في البلدان المجاورة أو تأثيرات الهجمات الإرهابية علي السياحة وتدهور ثقة المستثمرين. لتظل هذه الدول تنمو ببطء مسجلة "2.6% في المتوسط". ويقول شانتا ديفاراجان. رئيس الخبراء الاقتصاديين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي "يبدو أن السنة الحالية هي اشد السنين صعوبة لافتاً إلي أن الحديث في العام الماضي كان عن مجموعتين من البلدان بالمنطقة ينمو كل منها بسرعة مختلفة. لكن الآن نشهد جميع البلدان تنمو بالوتيرة البطيئة ذاتها تقريباً وإن كان لأسباب مختلفة". الاقتصاد المصري ومعدل النمو وعلي الرغم من أن معدل النمو في الاقتصاد المصري قد شهد تحسنا خلال الشهور التسعة الأولي من العام المالي الأخير مسجلاً 4.3% إلا أن تقرير المرصد الاقتصادي لمصر يري أن هذا النمو لا يزال دون امكانات مصر معللاً ضعف النمو بنقص العملات الأجنبية وتباطؤ النمو في أوروبا وهي الشريك التجاري الأول لمصر فضلاً عن انخفاض اسعار النفط العالمية والتي اثرت علي دول الخليج التي تعد المصدر الرئيسي لتمويلات العاملين بالخارج كما أن قطاعات انتاجية مثل استخراج النفط والغاز ظلت تسجل نمواً سالباً بسبب معاناة القطاع من متأخرات الديون. فضلاً عن تدهور السياحة. ويرصد التقرير ارتفاع معدل البطالة إلي 12.5% علاوة علي زيادة التضخم إلي 15.5% وهو ما يرجع جزئياً إلي تخفيض قيمة الجنيه المصري ولفت التقرير إلي أن زيادة اسعار السلع الاساسية وراء زيادة حدة الفقر. مشيراً إلي أن مصر تتأهب حالياً لاستئناف خطتها الخاصة بضبط أوضاع المالية العامة متوقعاً انجاز بعض الاصلاحات المالية خلال العام المقبل في ضوء توصل مصر وصندوق النقد الدولي إلي اتفاق علي مستوي الخبراء سيتم عرضه علي مجلس ادارة الصندوق لافتاً إلي أن الحكومة المصرية تهدف إلي تنفيذ 3 اصلاحات اساسية هي تحرير سعر الصرف وضبط أوضاع المالية العامة. وادخال اصلاحيات هيكلية لتعزيز النمو والحد من البطالة. إلي جانب تدعيم شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الفقراء. لغة جديدة مفردات لغة جديدة بدأت تغزو الصندوق وتتردد علي ألسنة كبار مسئوليه في الشهور الأخيرة. وهي مفردات لم تكن متداولة في صندوق النقد الذي طالما ارتبطت نصائحه وبرامجه بإثارة حفيظة الشعوب نتيجة زيادة أعباء المعيشة التي تخلفها الاجراءات التي يشترطها الصندوق للحصول علي قروضه. فتؤكد كريستين لاجارد رئيسة الصندوق علي العواقب السياسية والاجتماعية الوخيمة نتيجة غياب العدالة الاجتماعية وعدم المساواة الذي لا يزال مرتفعاً في كثير من البلدان. وتطرح لاجارد "النمو الاحتوائي" والذي يعني اتباع السياسات التي تحقق نمواً شاملاً يستفيد منه جميع طبقات المجتمع باعتباره الحل الاساسي لتحقيق العدالة. وتري أن النمو الاحتوائي يتحقق بزيادة معدلات النمو وتوفير ساحة عمل يعمل فيها الجميع علي قدم المساواة من خلال المساواة في الفرص في سياسات التعليم والحد الأدني للأجور والحوافز الضريبية التي تتيح فرصاً أكبر للنساء في سوق العمل وتشجيع الاقتسام العادل للاعباء والتركيز علي السياسات التي يمكن أن تخفف الاثار السلبية للتجارة وتجعل الجميع يستفيد. كما تؤكد اللجنة الدولية للشئون النقدية والمالية برئاسة اوغستن كارستنز محافظ بنك المكسيك المركزي التزام الصندوق الراسخ بتحقيق النمو القوي والاحتوائي والاكثر توازناً والذي يتمتع بالقدرة علي الاستمرار وخلق فرص العمل. الواقع شئ آخر وعلي الرغم من هذه التوجهات الجديدة للصندوق إلا أنه لا يتراجع عن فرض سياسات واجراءات اصلاحية محددة غالباً ما تترك اثاراً سلبية علي الفقراء والمهمشين. مثل فرض الضرائب وتخفيض قيمة العملة الوطنية إلي جانب اتباع اجراءات تقشفية غالباً ما تؤدي إلي تباطؤ الطلب. كذلك الحال مع البنك الدولي الذي يؤكد في تقاريره علي ضرورة مكافحة الفقر في الوقت الذي يساند فيه بعض السياسات التي قد تؤدي إلي مزيد من الفقر. ففي الوقت الذي يري فيه الصندوق أن ضريبة القيمة المضافة التي اقرها البرلمان المصري مؤخراً وتم تطبيقها بالفعل قراراً جيداً هنأ الحكومة المصرية علي اتخاذه. يؤكد تقرير المرصد الاقتصادي لمصر الصادر عن البنك ذاته أن ضريبة القيمة المضافة يمكن أن تؤدي إلي زيادة التضخم علي الأمد الصير مع حدوث تأثير سلبي علي الفقراء. نتمني النجاح.. ولكن ويدافع كريس جاريفس رئيس بعثة الصندوق لمصر عن سياسات الصندوق باعتبارها تهدف إلي تحسين اوضاع الاقتصاد في مصر والذي يعاني من مشاكل كبيرة. مشيراً إلي أن معدلات التضخم في مصر مرتفعة بالفعل وأن العملة الوطنية مخفضة بالفعل بالسوق الموازية وأن هذا التخفيض انعكس علي اسعار السلع ومعدلات التضخم وهو ما يقلل من مخاوف حدوث زيادة كبيرة في التضخم في أعقاب التحول لسياسة مرونة سعر الصرف. وأكد جارفيس علي أن الصندوق سوف يتابع تنفيذ البرنامج الاجتماعي للحكومة بنفس قدر اهتمامه بمراجعة الاجراءات الاقتصادية. هل سينجح اتفاق صندوق النقد في حل مشاكل الاقتصاد المصري واخرجه من عنق الزجاجة. وهل ستكون إيجابياته أكثر من سلبياته؟!! طرحنا السؤال علي الصندوق وجاء الرد من رئيس بعثة الصندوق لمصر. قال كريس فيس "نتمني النجاح ولكننا في كل الحالات لا نستطيع أن نضمن ذلك".