بدون مبالغة.. أصبحت أتحسس جيبي كلما قرأت أو سمعت كلاماً جديداً من الحكومة عن الإصلاح الاقتصادي أو التعديلات الضريبية.. صرت متوجساً من أية إجراءات في أي اتجاه خوفاً من أن تكون هذه الإجراءات مجرد وسيلة وغطاء لأعباء جديدة يتم وضعها علي كاهلنا بصرف النظر عن العناوين والمسميات.. وأدعو الله أن تكتفي الحكومة بما فعلت بنا وفينا. وبسبب هذه الفوبيا - فوبيا الخوف من الافتكاسات الحكومية - أصابني التوتر وأنا أقرأ في "المصري اليوم" السبت الماضي أن الحكومة استعدت لمواجهة تداعيات خفض الجنيه.. متوقعة أن ينخفض بنسبة 20% علي الأقل من سعره الحالي.. وأن هناك إجراءات أخري في السياسة المالية قد تكون تعديلات في بعض القوانين الضريبية والجمركية. ياحفيظ.. يامغيث إجراءات أخري في السياسة المالية!!.. تعديلات ضريبية وجمركية!!.. هذا يعني مباشرة - طبقاً لمنهج الفوبيا - زيادة في الضرائب والجمارك.. فقد اعتدنا أن تحدثنا الحكومة بلسان عذب رقيق.. ثم تفاجئنا بإجراءات صارمة ويد باطشة.. كقائد السيارة الذي يعطي إشارة للدخول إلي اليمين ثم يفاجئنا بالدخول في الشمال. بصراحة.. لم يعد لدينا أمل في تخفيضات ضريبية أو جمركية.. وكل الشواهد أمامنا والتصريحات الرسمية تشير إلي أن أي حديث عن تعديلات ضريبية أو جمركية معناه الوحيد أن الضرائب والجمارك في الزيادة.. زيادة إضافية تحت أي مسمي.. وبالتالي موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.. كل الأسعار. لا نريد أن نخدع أنفسنا ونعيش في الوهم.. الأسعار كل يوم في زيادة والناس تئن.. وما تقوله الحكومة عن ضبط الأسعار.. وحملة "الشعب يأمر".. وتطوع التجار والشركات لخفض الأسعار من أجل عيون المواطن الجميل.. كل ذلك مجرد كلام للاستهلاك المحلي وتخدير الأعصاب لكنه لا يحقق شيئاً علي أرض الواقع.. الواقع مرير.. والناس لم يعد لديها قدرة لمزيد من الصبر.. للصبر حدود.. الشيء الوحيد الذي لم يرتفع في مصر هو الراتب الشهري للموظف الغلبان وصاحب المعاش الأكثر غلباً. الحكومة تنفي أي كلام عن تعويم الجنيه لكنها تتوقع أن تنخفض قيمته 20% من سعره الحالي.. أي أن الدولار يمكن أن يصل قريباً إلي حوالي 17 جنيهاً.. ومعني هذا أن الأسعار سوف تشهد ارتفاعاً جنونياً في كل الأسواق وفي كل السلع.. وساعتها لن ترحمنا الحكومة.. ستبادر علي الفور برفع أسعار خدماتها.. ستزيد فواتير الكهرباء ومياه الشرب.. وستقفز أسعار البنزين والبوتاجاز بنفس نسبة ارتفاع الدولار.. وساعتها ستقول الحكومة ما باليد حيلة.. أنا معكم لكن الدولار الله يلعنه هو السبب.. وستطالبنا بمزيد من التقشف وربط الأحزمة علي البطون والاعتدال في الاستهلاك لأننا بصراحة شرهون ومفترون. وبمناسبة التقشف.. أتمني أن تعيد الحكومة قراءة التقرير الذي نشرته وكالة "رويترز" في 20 أغسطس الماضي تحت عنوان "قرض صندوق النقد يفرض خطة تقشف لن يتحملها المصريون".. فربما تقتنع بضرورة معالجة الآثار الجانبية للإصلاحات الاقتصادية والتي تتمثل في ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب وتخفيض الدعم تدريجياً.. حتي لا تحدث هزة اجتماعية لا تتحملها مصر. الغريب أن تصدر في هذه الظروف تصريحات مثيرة للجدل تستخف بعقول الجماهير.. يخرج وزير سابق ليقول إن المواطن يستطيع أن يعيش ب 13 جنيهاً.. ياناس اتقوا الله في أهلكم وفي بلدكم. خاطبوا المواطنين بالعقل والمنطق.. اعرضوا خطط التنمية الصناعية والتطور والإصلاحات الحقيقية في الهياكل المالية بالوزارات والهيئات.. طبقوا العدالة الاجتماعية.. وابحثوا عن حلول واقعية للبطالة.. تخلوا عن جيوش المستشارين الذين ينهبون ميزانيات الحكومة بلا فائدة.. طالبوا الحكومة بالتقشف وخفض إنفاقها علي المظاهر الكاذبة والمهرجانات والاحتفالات. شاركوا المصريين في الضراء كما تشاركونهم في السراء.