في قصص القرآن الكريم كثير من الآداب والقواعد والضوابط لضمان استقرار المجتمع والتأكيد علي حقوق الأفراد لينهض كل أمريء بحقوقه مع الوفاء بواجباته. انها تعليمات رب العالمين لابد من الالتزام بها. كما ان هذه الضوابط تلعب دوراً هاماً في دعم الترابط الأسري وتتيح الفرصة لكل أفراد الأسرة التعبير عن وجهة نظره دون ضغوط أو تجاوز فالاناة وسعة الصدر والانصات للرأي الآخر هو أساس التحاور. وقد أشار القرآن الكريم إلي ذلك في سورة القصص أثناء سرد قصة سيدنا موسي حينما توجه إلي أرض مدين هربا من فرعون وقومه وأثناء وصوله إلي مصدر للمياه في بئر وجد حوله مجموعة من الناس يسقون دوابهم وأغنامهم وأثناء جلوس سيدنا موسي عليه السلام في ظل شجرة شاهد بنتين لجأتا إلي مكان بعيد عن البئر لانهما لا تستطيعان التزاحم والمدافعة. تقدم نحوهما وكان هذا الحوار بكل أدب. - موسي: لماذا لا تسقيان؟ - لأننا لا نقدر علي التزاحم والتدافع وسط هذا العدد الكبير من الرعاة - أليس معكما رجل للمساعدة؟ - أبداً.. أبونا شيخ كبير وقد أرسلنا نسقي الأغنام هذا اللقاء والحوار الخاطف انتهي بتقدم موسي نحو البئر وتمكن من رفع الغطاء واتاحة الفرصة للبنتين في سقي الدواب ثم انصرفتا بينما توجه موسي إلي موقعه تحت الشجرة ولم يدر بخلده ان احدي هاتين البنتين ستكون زوجة له. لكن شاءت الأقدار ان يرتبط بهذه الأسرة وتصبح بينهما مصاهرة وارتباط طويل المدي. في هذا الإطار جاءت احدي البنتين لتخبر موسي بأن والدها يريد أن يدفع له أجره مقابل جهوده في سقي الأغنام. وحينما وصل إلي شعيب ذلك الشيخ الكبير حكي سيرة حياته وانه خرج من مصر لأن عصابات الطغيان تطارده أخذا بثأر الرجل الذي قتله موسي بطريق الخطأ وقد طمأنه الشيخ وأخبره بنجاته من أي ظلم أو انتقام من أعدائه. علي الطرف الآخر كانت هناك نظرات أخري تراقب ذلك الفتي القوي الجرئ الذي يتمتع بالشهامة والأمانة والمروءة في أداء الواجب فقالت لوالدها: "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" في هذه اللحظات اعتملت الغيرة في قلب الأب فقال لابنته: وما يدريك قوته؟ وأمانته؟ فقالت: أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقي لنا. فلم أر رجلا قط أقوي في ذلك السقي منه وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت له فلما علم أني امرأة حدوب رأسه فلم يرفعه حتي بلغته رسالتك. ثم الابنة تعدد لوالدها مناقب ذلك الرجل الأمين ولم تدر أن هذا الرجل الذي سيكون زوجا في المستقبل قد تربي في رعاية الله تبارك وتعالي. قالت الابنة يا أبتاه. إنني عندما طلبت الانتقال معه كي يصل إلي مجلسك قال لي: امشي خلفي وحددي لي الطريق. وكيف أتحرك يمينا وشمالا وهو لم يفعل ذلك إلا وهو يتمتع بالأمانة بعد هذه المصارحة انفرجت أسارير ذلك الشيخ الكبير لثاقب نظر البنت ووجهة نظرها الطيبة والفاحصة. هذا الحوار يكشف عن عدة أمور تتعلق بقضية تعاصر مختلف الأجيال وهي الاستماع إلي رأي البنت في الرجل الذي يتقدم لخطبتها وهل نترك لها الحرية لكي تبدي وجهة نظرها بلا قهر أو ارغام إلي غير ذلك من التساؤلات التي تطرح في مثل هذه القضية التي لاتزال تؤرق بعض الأسر حيث لا ينصتون إلي رأي الفتاة ويرددون: ان الرأي للكبار وأن البنت لابد أن ترضخ لرأي الكبار وكم من زيجات فشلت نتيجة هذا الأسلوب المتخلف لكن شعيب ضرب المثل في الاستماع لوجهة نظر ابنته بكل سعة الصدر وقد اقتنع بتحليلها لذلك الرجل التقت معه عند البئر ورافقته في مسيرته من البئر حتي منزل والدها بحق انها ابنة بارعة الدقة ولديها سرعة تحليل وسبر أغوار الشخصية التي التقت بها رغم قصر فترة التعامل فيما بينهما. من هذا التوضيح القرآني البديع ندرك انه لا حرج في أن تختار الفتاة شريك حياتها علي أساس من الصفات التي ذكرتها لوالدها. الأمانة والعفة والصدق واللياقة البدنية بمعني آخر ان الفتاة لها كل الحق في خطبة الشاب الذي تريد الحياة معه وصدق رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إذ يقول: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" فإذا اختارت الابنة فتي الأحلام بتلك الضوابط فيها ونعمت وإلا علينا إرشادها وتوعيتها بالرفق والحكمة لكي نبني الأسرة علي أساس لا تزعزعه العواصف.