يوم الخميس الماضي نشرت "الأهرام" علي صفحتها الرابعة عشرة خبراً يتعلق بحكم المحكمة التأديبية العليا علي اثنين من مسئولي المحليات والزراعة بإحدي قري مركز أبوقرقاص محافظة المنيا بعد إدانتهما في جريمة "التسهيل للمعتدين علي الأراضي الزراعية بالبناء عليها وعمل محاضر وهمية خلافاً للحقيقة".. وهي الجريمة التي اعتبرتها المحكمة مساساً بالمال العام يوجب المؤاخذة التأديبية. وأكدت المحكمة أن المتهمين "خرجا علي مقتضي الواجب الوظيفي ولم يؤديا العمل المنوط بهما بدقة وخالفا القانون وارتكبا ما من شأنه المساس بالمال العام". وانتهت المحكمة إلي مجازاة المتهم الأول بعقوبة "تأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة سنة".. ومجازاة المتهم الثاني بعقوبة "اللوم". إلي هنا ينتهي الخبر المنشور في "الأهرام" والذي لابد أنه يثير العديد من الأسئلة.. لعل في مقدمتها: هل هذه العقوبة التأديبية تتناسب مع حجم الجرم الذي أدين به الرجلان؟!.. وهل هذه العقوبة التأديبية ستكون كافية أمام الأجهزة الرسمية لمنع مساءلة المتهمين جنائياً.. خاصة أن حكم التأديبية العليا أكد أن جريمتهما تنطوي علي "مساس بالمال العام".. وأضيف إلي ذلك أنها تنطوي أيضا علي "خيانة الأمانة" و"عدم الوفاء بمتطلبات المهمة والوظيفة".. ناهيك عن أن الجريمة تتعلق بواحدة من أهم القضايا المصيرية في حياة الشعب المصري.. وهي قضية الاعتداء علي الأراضي الزراعية. ومع كامل احترامنا وتقديرنا للقانون الذي قضت به المحكمة التأديبية العليا في هذه القضية فإن الخطورة التي تمثلها جريمة الاعتداء علي الأرض الزراعية وتسهيل هذا الاعتداء.. يتطلب الآن سرعة تغيير القانون لتشديد العقوبة حتي تكون أكثر ردعاً للموظفين الذين يحاكمون تأديبياً.. ويحصلون في النهاية علي عقوبة حرمان من العلاوة لمدة عام أو عقوبة "اللوم" وكأنهم اعتدوا علي موظف أثناء عمله. قضية الأرض الزراعية صارت قضية وطنية بامتياز.. بل هي القضية الأخطر اليوم في مصر.. لأنها تتعلق بوجودنا ومستقبلنا القريب.. وقدرتنا علي حماية أمننا القومي.. وإذا لم نتدارك بسرعة الأخطاء التي نرتكبها في هذه القضية فسوف تدفع الأجيال القادمة الثمن باهظاً. وقد كتبت كثيراً في هذه الزاوية محذراً من تآكل الأرض الزراعية وتآكل الزراعة كمهنة شريفة تمثل العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري.. وقارنت كثيراً بين المساحات الزراعية التي تلتهمها المباني الخرسانية وبين الأموال الطائلة التي ندفعها في استصلاح الأراضي الصحراوية.. فنحن الشعب الوحيد الذي يبني علي الأرض الطينية ثم ينطلق ليزرع زراعة شاقة ومكلفة جداً في الصحراء.. ونحن البلد الوحيد الذي يباع فيه متر أرض البناء في الأرض الزراعية بأرخص من سعر متر البناء في الأرض الصحراوية.. ولذلك يتم الاعتداء بمعدلات هائلة علي الأرض الزراعية من أجل البناء الرخيص. وفي أواخر عام 2014 أصدرت وزارة الزراعة تقريراً رسمياً أكدت فيه فشل الحكومة في إزالة 83% من مخالفات البناء علي الأراضي الزراعية التي بلغت أكثر من 53 ألف فدان منذ ثورة يناير.. كما استخدم "كارت" التصالح في مخالفات البناء علي الأراضي الزراعية في الانتخابات. وفي أبريل من العام 2015 أطلق العالم الكبير الدكتور فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطنالأمريكية تحذيراً مخيفاً. قال فيه إن الأرض الزراعية في مصر ستختفي خلال 183 عاماً في حالة استمرار معدلات البناء عليها حالياً.. وذلك طبقاً لتحاليل صور الأقمار الصناعية. وقال د.الباز: للأسف الشديد منذ ثورة 25 يناير 2011 ارتفعت معدلات البناء علي الأرض الزراعية لمستويات غير مسبوقة تصل إلي 30 ألف فدان سنوياًَ.. وإذا لم يتحرك الجميع فستضيع كل الأرض الزراعية في مصر. لذلك كله.. أصبح واجباً تشديد العقوبة علي جرائم الاعتداء علي الأرض الزراعية بالبناء والتبوير.. وأيضا تشديد العقوبة علي من يسهل ارتكاب هذه الجريمة.. خاصة من موظفي المحليات والزراعة.. حتي يدرك الجميع أننا لا ندافع عن الأرض فقط وإنما ندافع عن حياتنا ووجودنا.