قبل أن يبدأ السباق الفعلي امتلأت الشاشات بحملات الإعلانات عن الأعمال المتسابقة.. كل قناة تدعي أنها الأكثر حظاً بعدد النجوم والمسلسلات التي تستأثر بعرضها وتسابق المحررون في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية من أجل تسليط الضوء علي أهم الأعمال الدرامية الجديرة بالمشاهدة في الشهر الكريم الذي انتهي وتصدرت نيللي كريم بطلة مسلسل "سقوط حر" القائمة مدعومة باسم مخرج عربي مهم ومعروف بتفرده وابداعاته في مجال الدراما التليفزيونية وهو شوقي الماجري. وكان "أفراح القبة" من بين أكثر الأعمال التي ينتظهرها الجمهور أولاً لأنه عمل يقوم علي رواية لنجيب محفوظ وبطولة النجمة مني زكي إلي جانب مجموعة من الممثلين المبدعين وهم إياد نصار. وسوسن بدر. وكندة علوش. وسيد رجب. ورانيا يوسف. وجمال سليمان والمخرج المتميز محمد ياسين. ولأول مرة يقدم مسلسل مصري سيرة حياة أو عمل مأخوذ عنها لمطرب مازال يتمتع بجماهيرية كاسحة وهو محمد منير الذي أدي دوره علي الشاشة وجسد شخصيته كما يراها والمسلسل تأليف أحمد يحيي ومحمد محمدي وانتاج محمد فوزي وإخراج شريف صبري. أيضا من المسلسلات التي انتظرها الجمهور وتوقع لها النجاح "جراند أوتيل" الذي كتب له السيناريو تامر حبيب واخرجه محمد شاكر خضير وشارك في انتاجه شركتا "بيلنك وإيجل فيلمز" ولعبت بطولته دينا الشربيني وأحمد داود وأنوشكا وعمرو يوسف ورجاء الجداوي ومحمد ممدوح ودارت أحداثه داخل فندق فاخر في أسوان بمشاهد رائعة. وحظي مسلسل "فوق مستوي الشبهات" بدعاية كبيرة قبل بدء بثه نظراً لوجود يسرا علي قمة طاقم الممثلين مع سيد رجب وشيرين رضا ومخرج علي درجة كبيرة من التميز والخصوصية هو هاني خليفة وكتابة عبدالله حسن. وكالعادة يحظي عادل إمام وشركاه "المؤلف والمخرج وجوقة الممثلين الشباب" بالاهتمام الدعائي فكان للمسلسل الذي يلعب بطولته "مأمون وشركاه" نصيب أكبر من الأخبار والتوقعات إلي جانب ما وصل إليه أجره من رقم فلكي "!!". وكان لغادة عادل بطلة "الميزان" نصيبها العادل من الاهتمام خاصة وأنها تلعب الدور المحوري في العمل الذي قام بإخراجه أحمد خالد موسي الذي أخرج في العام الماضي مسلسل "بعد البداية" الذي وضعه ضمن قائمة المخرجين الذين بدأوا بداية قوية جداًَ في سوق الدراما. ووضع طارق لطفي في مصاف النجوم الكبار القادرين علي تحمل عمل كبير وإنجاحه وليس غريباً أن يقوم طارق بالبطولة المطلقة في شهادة ميلاد. انتهي الشهر الكريم فهل صدقت التوقعات أم أن بعضها خيب أمال المشاهدين؟ أكثر المسلسلات نجاحاً من وجهة نظر نسبة عالية من المتفرجين "جراند أوتيل" الذي استطاع صناعه أن يحتفظوا طوال الثلاثين حلقة بدرجة الحماس والترقب والإثارة وذلك بسبب أناقته الشديدة كعمل فني يتمتع بمناظر ولغة بصرية جذابة ووعي صائب بالعناصر الجاذبة للمتفرجين وتشخيص إنساني متكامل لمجموعة الشخصيات الضالعة في الأحداث. ورغم أنه مسلسل يمكن أن يحدث في أي مكان وزمان وأصله مستوحي من عمل أسباني يحمل نفس الاسم إلا أن الكاتب استطاع أن يكيف الحبكة الدرامية لكي تتماشي مع ذائقة الطبقة المتوسطة المتعلمة هنا في مصر التي في تقديري استقبلت المسلسل بحفاوة بالغة وشخصياته بقدر مناسب من التقدير فهو أحد المسلسلات القليلة جداً الخالية من المط والإطالة المتعمدة لملء احتياجات ثلاثين حلقة وكانت التفاصيل الدقيقة ضمن أكثر مميزاته أما جانب الموسيقي التصويرية التي تناغمت جداً مع الأحداث وخلقت التأثير الدرامي الصحيح لكل حلقة. وإلي جانب "جراند أوتيل" حقق مسلسل "فوق مستوي الشبهات" نسبة مشاهدة عالية ولأسباب تعتبر النقيض لتلك التي كانت وراء نجاح "جراند أوتيل".. وأيضا "الأسطورة" الذي قدم النموذج الإجرامي سليل "عبده موتة". نيللي كريم أزعجت كثير من عشاقها المتابعين لمشوارها الفني الفريد ذلك بسبب الدور الذي اعتبره الناس تكراراً لأدوارها في "سجن النساء" و"تحت السيطرة" من حيث كم النكد والألم والكآبة التي أغرقت "سقوط حر" في محيط من الاحباطات المتتالية وذلك برغم براعة الممثلة وإخلاصها الحقيقي في تجسيد الشخصية ومرضها النفسي.. فهو مسلسل "مأزوم" تعاني شخوصه من أوجاع نفسية ومن حصار لا يملكون الافلات منه. وبمناسبة الشخصيات المأزومة والأجواء القابضة للروح أذكر أيضا مسلسل "أفراح القبة" الذي خلا من "الأفراح" وإن تحقق عنصر "البهجة" من خلال قدرة الأداء التمثيلي علي إثارة الدهشة والتنوع والخفة في الادعاء والتصنع ويعتبر من أجمل مصادر البهجة تحديداً أداء مني زكي وإياد نصار وسوسن بدر المبدعة والبديعة في كل أدوارها وجمال سليمان وصبري فواز وصابرين ورانيا يوسف وسيد رجب وسلوي عثمان إلي جانب عناصر أخري قوية مثل عنصري الموسيقي "هشام نزيه" والإخراج محمد ياسين. و"أفراح القبة" من الأعمال القليلة المكتملة العناصر رغم السيناريو المتشابك والتداخل بين الخيال الروائي والواقع المعاش للشخصيات وظني أن هذا العمل سوف يحظي بنسبة عالية جداً من المشاهدة في عرضه الثاني عندما تخف الزحمة وتأخذ "الفرجة" حقها من التمهل والهدوء بعيداً عن هجوم الإعلانات. نلاحظ أيضا تفوق كثير من ممثلي الدور الثاني وصعودهم إلي مستوي النجومية باستحقاق بالغ ومنهم سيد رجب. وبيومي فؤاد ومحمد ممدوح الذي فاجأ جمهور المشاهدين بشخصية "أمين" المدهشة أداها بمهارة وفهم كبيرين. أيضا "أنوشكا" التي لعبت دورين أحدهما لافت للنظر جداً في مسلسل "جراند أوتيل" والأكثر إبهاراً الممثلة سوسن بدر القادرة علي الأداء المتنوع. الصعب والسهل والمعقد باقناع وامتاع حقيقي. والمثير للانتباه خفوت ردود فعل الناس ازاء مسلسل "المغني" لمحمد منير لأسباب تحتاج إلي دراسة" تحتاج بدورها إلي مشاهدة ثانية للمسلسل حتي نضع أيدينا علي أسباب عدم نجاح مسلسل يدور حول واحد من أنجح المغنيين الذين عرفتهم مصر وأكثر تفرداًَ من حيث الأسلوب والأداء ونوع الأغاني. نلاحظ أيضا العدد الكبير جداً لشخصية رجل الشرطة والأمن عموماً و قلة قليلة من المسلسلات تخلو من شخصية بارزة لرجل أمن. فمن المؤكد أنها شخصية تسكن الوعي الجمعي. وكلية الحضور في جميع مظاهر الحياة الاجتماعية و"هاجس" يلح في ضمائر كثيرين سلباً أو إيجاباً ولكن إلي حد صدقت الصورة أو تطورت أو أعطت لهؤلاء الذين يتولون حماية الوطن من الداخل وضد أعدائه حقهم ومنهم المئات الذين سقطوا في المعركة ضد الإرهاب.. هذا السؤال يحتاج إلي إجابة متأنية. فما أراه شخصياً وقد يتفق معي كثيرون أنه بالرغم من التطور الواضح في عناصر الصورة والمؤثرات وفي الانتاج الغزير لأجيال من الممثلين الشباب المبدعين الذين كشفوا عن مواهب تستحق أن نلقي عليها الأضواء وأن نضعهم في مقدمة الإنجاز الذي تحققه صناعة الدراما التليفزيونية بالرغم من هذا الإنجاز فإن الدراما التليفزيونية لاتزال في حالة انفصال عن حقيقة ما يجري في المجتمع وبالذات في السنوات الأخيرة. وفي حالة تجاهل للتاريخ وللدراما الاجتماعية العاكسة لحركة المجتمع الحقيقية والتحديات التي تواجهه. هناك غياب ملحوظ للدراما الدينية ولدراما السير الذاتية للرموز المؤثرة التي لعبت أدواراً في تعزيز القيم الدينية الايجابية.. هناك غياب شبه متعمد للرموز الوطنية في المجالات الإبداعية العديدة ولدينا العشرات ممن امتلكوا عقولاً جميلة وحققوا إنجازات مبهرة وأضافوا للبشرية من علمهم في شتي مجالات العلم ومنها العلوم العسكرية لا يوجد "قدوة" يمكن الإشارة إليها في ال29 مسلسلاً التي احتلت أيام رمضان 2016 ولا إنجاز بعيداً عن حكاوي التسالي وقصص الخارجين علي القانون وفساد بعض المنوط بهم انفاذ القانون.. لا يوجد سوي الأسطورة المزيفة للوعي والمغيبة للقيم الأخلاقية المنتشية بالتفوق البربري علي النظام الحضاري لمجتمع ينشد التقدم.