يفترض أن تكون الكاميرا السينمائية الآن في حالة نشاط وهمة لا تتوقف حتي يمكنها أن تلاحق الأحداث المتسارعة التي تجري علي أرض الواقع في مصر علي العديد من الأصعدة سواء في معارك التنمية من ناحية أو في ميادين الحرب الخفية والظاهرة التي يشنها الإرهابيون ويسقط فيها أبناء من الشرطة والجيش ومدنيون أبرياء أو تسقط مبان بفعل إهمال إجرامي قديم ومتأصل أو بفعل حرائق متتالية تختلط فيها مساحات من النار والدخان مع وجوه بائسة تندب ما حل بها من خراب. مظاهر الإرهاب متعددة ووجوه الإرهابيين تتحرك وسطنا بأمان ولا نستطيع كشفها حتي تقع الواقعة ورموز العمل الوطني تستحق الاحتفاء.. نحن في حالة حرب. فهل تؤدي الهيئات السينمائية والانتاجية العامة والخاصة دورها في توثيق حياة الشعب المصري في سنوات تعتبر الأكثر خطورة وزحاما بأحداث ضخمة وغير مسبوقة. السنوات القليلة الأخيرة التي عشناها جديرة بالتسجيل في أعمال تبقي للأجيال.. لا أعني مجرد شرائط اخبارية عابرة تجتزئ السياق العام وتختزله في عدد محدود من المشاهد. ست سنوات "2011 - 2016" تلازمت فيها صناعة الخوف والترهيب والعنف الممنهج الذي يمتص روح الحياة. جنبا إلي جنب شعب ثائر لم يجنح إلي اليأس ولم يستسلم لجماعة تسللت في خبث سرطاني ويسمح لها أن تنتشر ولم تفلح في قتل عافيته. تلازمت جنازات الموتي الشهداء مع مواكب الفاعلين في الحقول والآلات الضخمة تشق قنوات وتحول الرمال الصفراء إلي حقول وتبني المدن الجديدة وتبعث الأمل لدي شباب طاله اليأس وكاد يستسلم له. طريقان متلازمان نرقبهما في الآونة الأخيرة.. طريق الهدم والتخريب والإرهاب ومحاولات ايقاف أي تقدم وطريق يتحدي ذلك كله بمسيرة البناء والتنمية وقتل أعراض اليأس. فصول متتالية ومتجاورة ومتزامنة ومتداخلة من الصراع بين الشر والخير.. بين القديم الآيل للسقوط والعمارات القديمة التي طمست ملامحها الفريدة بفعل الاهمال وغياب ثقافة الصيانة ثم عمليات تجديدها وبعثها من جديد علي نحو جدير بالتسجيل هذه الظواهر الايجابية تظهر أحيانا علي مواقع التواصل الاجتماعي احيانا في شكل صور كارت بوستال وبجهود فردية وفي شكل فيديوهات قصيرة جدا. الأيام الأخيرة وليس فقط السنوات الست الأخيرة محملة بالأحداث والانجازات التي تستحق التسجيل في أفلام تملك مقومات البقاء ويمكن عرضها وبثها من خلال قصور الثقافة ومكاتبنا الثقافية الخارجية. ومن المؤكد أن الكاميرات تحركت صوب المواقع التي تشهد نشاطا جديدا فريدا وسجلت مشاهد منها بثها التليفزيون المصري أثناء النشرة ولكنني أشير إلي دور الفيلم التسجيلي في تثبيت هذه المرحلة وتوثيقها.. وعمل ¢بورتريهات¢ حية للشهداء الذين سقطوا من الشرطة والجيش وقد رأينا ذلك في أفلام قديمة عن جنود خاضوا حروب مصر في أعوام 56 و67 و73 وهي موجودة في أرشيف المركز القومي للسينما.. والنماذج الحديثة تستحق أن نقدمها.. نماذج من أمثال ¢محمد مبروك¢ وأبو شقرة.. وآلاف غيرهم. الفيلم التسجيلي القصير من شأنه أن يلعب دورا ايجابيا في توثيق هذه الفترة. ونشر الروح البناءة. وتكريس قيم العمل والتقدم التي عانينا ومازلنا نعاني من غيابها. وليس بالضروري أن يكون الفيلم التسجيلي بغرض دعائي وإنما من الضروري تسجيل مظاهر الواقع في مرحلة تاريخية مهمة وبغرض تعليمي تثقيفي أو تاريخي توثيقي كمرجع يعود إليه صناع السينما والكتاب والمؤرخون إذا ما أرادوا معرفة هذه الفترة التي شهدت أحداثا جساما. وصراعا ممتدا بين القوي السياسية المحلية والاقليمية والدولية والمؤكد أن الكاميرا لعبت دورا كبيرا جدا في رصد هذه الصراعات وذلك بكشف النقاب عن بعضها أو بتناول أحداثها بالتحليل وإلقاء الضوء عليها وهناك دون شك مواد تسجيلية ضخمة تم التقاطها من المواقع الطبيعية للأحداث في أثناء حدوثها مباشرة حتي تكون جاهزة عند إعادة انتاجها في أفلام درامية توثيقية.. فالفيلم التسجيلي أصبح أداة مهمة في الصراعات الساخنة وفي معارك البناء الهادئة وعندما تتلازم الظاهرتان تتداخلان ينشأ عنها مشاهد بقيمة تاريخية كبيرة يمكن استغلالها لاحقا في أعمال واقعية تعيد بعث التاريخ علي نحو ابداعي وخلاق ومن وجهة نظر مصرية وطنية لا تقدم رؤية معادية لحركة التاريخ.