رسالة جاءتني عبر الواتس اب مع رجاء بنشرها علي أوسع نطاق.. عندما قرأتها أعجبتني وتوقفت أمامها بل إنها دفعتني للتأمل والتفكير فقررت تناولها في مقالي.. الرسالة تقول إن طالبا مصرياً ذهب للدراسة في مدينة هامبورج الألمانية وأراد زميل له الترحيب به فدعاه لتناول الطعام في أحد المطاعم وكانا يشعران بالجوع فطلبا المزيد من الطعام لكن تبقي منه ما يقترب من ثلثه تركاه علي المائدة وهما بمغادرة المطعم.. وعند اقترابهما من الباب سمعا صوتا يناديهم وكان مدير المطعم الذي وقف يتحدث مع بعض السيدات كبيرات السن وفهما أنهن يشعرن بالاستياء من الطعام الزائد المتروك علي المائدة فعلق أحدهما بأنه دفع ثمن الطعام فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن. اعتقد الطالب أن الموقف انتهي عند هذا الحد وأنه قال القول الفصل.. لكنه فوجئ بإحدي السيدات تنظر إليه بغضب وتتصل تليفونياً بأحد الأشخاص الذي حضر بزي رسمي وقدم نفسه علي أنه ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية وحرر لهما مخالفة فورية بقيمة خمسين "مارك"!!.. وقال الضابط بلهجة حازمة اطلبوا كمية الطعام التي سوف تستهلكونها فقط.. المال لك لكن الموارد للجميع.. وأكمل بمنتهي الجدية أن هناك الكثيرين علي مستوي العالم يعانون نقص الموارد ليس لديكم سبب لهدر الموارد. هذا الدرس القادم إلينا من بلد غنية مثل ألمانيا نحن بالفعل في أمس الحاجة لتطبيقه في بلدنا مصر التي تعاني معادلة عجيبة هي نقص الموارد والإسراف والسفه في التعامل مع الموارد المتاحة!!.. فألمانيا التي تعد أكبر الاقتصاديات في الاتحاد الأوروبي ورابع اقتصاد علي مستوي العالم ويبلغ متوسط دخل الفرد فيها 32 ألف دولار سنوياً سنت قوانين تحارب الإسراف حتي في وجبة الطعام.. والأهم الوعي والثقافة السائدة التي جعلت المواطن العادي يتصدي من نفسه لمظاهر الإسراف مهما كانت بسيطة لأنه يدافع عن حقه في موارد بلده.. فليس معني أنك تمتلك المال فإن من حقك أن تشتري به ما تريد حتي لو ألقيته في سلة المهملات.. فالمال لك لكن الموارد للجميع كما قال الضابط. في بلدنا نتعامل بالفعل مع الموارد بسفه لا مثيل له في أي دولة في العالم وأقرب الأمثلة علي ذلك المياه.. فرغم أزمة سد النهضة الذي يهدد حصة مصر في مياه النيل فإننا حتي الآن نرش الشوارع ونغسل السيارات بمياه الشرب النقية ولا نطبق القوانين التي تمنع ذلك والأهم أن منظومة الري مازالت بالغمر وهو نظام انتهي من معظم دول العالم!! نفس الأمر ينطبق علي الأرض الزراعية التي تم تبوير مساحات هائلة منها تحولت إلي خرسانة مسلحة تحت سمع وبصر المسئولين الذين ركنوا القوانين التي تمنع ذلك في الأدراج واكتفوا بتقنين الأوضاع الخاطئة وفرحوا بتحصيل غرامات تافهة غير مدركين لأهمية الموارد الضائعة وهي حق للأجيال القادمة.. كذلك كثيراً ما نري أعمدة الإنارة مضاءة نهاراً رغم أن إنتاجنا من الكهرباء مازال أقل من الاحتياجات الفعلية.. وأمثلة أخري كثيرة يضيق المكان عن ذكرها. إذا انتقلنا إلي البيت المصري سنجد العجب.. بيوتا تعد كميات هائلة من الطعام يذهب معظمها إلي سلة المهملات التي تعد أغني سلة مهملات في العالم في نفس الوقت الذي تعاني فيه أسر كثيرة من الفقر المدقع وقد لا تجد ما يسد جوعها!! ونظرة سريعة علي بقايا الطعام علي موائد المطاعم ومحلات الأكل المنتشرة في كل مكان تؤكد نظرية السفه السائدة والتي لا تعكس فقط غياب الثقافة السليمة لكن أيضاً غياب القوانين التي تفرض هذه الثقافة فرضا فالمال لصاحبه لكن الموارد للجميع.. ولأن رمضان علي الأبواب ولأننا حولناه من شهر للعبادة إلي شهر الموائد العامرة فقد تحمست للكتابة عن الرسالة التي جاءتني علي الواتس اب لعلها تصل لمن يهمه الأمر من المواطنين والمسئولين.. وقبل ذلك لأذكر بها نفسي فلست أفضل من غيري!!