تابعت باهتمام وشغف جلسات محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ورموز حكمه.. وإذا كان العرف أو القانون يمنع الحديث عن شخصية القاضي رئيس الجلسة المستشار أحمد رفعت. فإن ذلك لا يمنعني من ابداء إعجابي برزانته وهدوئه وحسمه للأمور واعطاء الفرصة في الحدود المعقولة للمحامين رغم كثرة عددهم. واذا كان هذا أمرا طبيعياً يجب أن يتحلي به أي قاض في أية محاكمة فإن تعبيري عن الإعجاب ينبع من أن هذه محاكمة ليست عادية. ولم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر.. وقد احتفظ الرجل بكل هذه المزايا وسط هذه الأجواء والأضواء المسلطة عليه ليس في مصر وحدها وإنما في العالم كله. لم يعجبني تدافع المحامين وصخبهم. ومحاولة كل منهم أن يسبق الآخرين في أخذ الكلمة وأن يستأثر بالميكروفون أطول مدة ممكنة وكأنه "شو إعلامي" كل منهم يريد الظهور في الصورة. والمفروض في مثل هذه المواقف أن يجلس المحامون بعضهم مع بعض قبل بدء الجلسات وينسقوا فيما بينهم بحيث يتم اتاحة الفرصة لكل منهم لإبداء طلباته بترتيب معروف مسبقاً.. و.ان ينيبوا زميلاً لهم ليتولي تقديمهم للقاضي رئيس الجلسة. بحيث لا يتدخل زملاؤه أثناء حديثه حتي لا تحدث ضوضاء.. ويجلس كل منهم في مكانه في القاعة ولا يتقدم نحو المنصة إلا من عليه الدور في الحديث. إن الجلبة التي يحدثها المحامون في الجلسة وارتفاع أصواتهم لا تتيح للقاضي فرصة التركيز وسماع الطلبات.. وفي نفس الوقت لا تتيح لملايين المشاهدين الالمام بما يدور بدقه ومتابعة الأحداث بوضوح. هذه المحاكمة كلنا نعرف أنها حديث العالم وسوف يفسح التاريخ لها المكان المناسب بين صفحاته. والحمد لله أنه وقع الاختيار علي قاض مشهود له بالنزاهة والعدالة. والحقيقة أنه أحد أعضاء السلطة القضائية التي تفخر بها مصر دائماً. معروف أن النظام السابق كان يتدخل في شئون القضاء كثيرا وفقا لمصالحه ومصالح رموزه وسياساته.. وكان القضاة يتعرضون لضغوط نفسية قاسية. ولا نستطيع أن نوجه لهم لوما ولا عتاباً.. فهم أولا وأخيرا بشر مثلنا. وجري عليهم ما جري لكثير من المواطنين في المهن المختلفة.. لكننا سنظل نذكر الدور البارز لأعضاء نادي القضاة برئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز ومواقفه الصلبة في مقاومة هذه الضغوط. بقيت لي ملاحظة شخصية وهي ملاحظة جانبية لا تمس صلب المحاكمات وهي ملاحظة لغوية لكلمة نطقها المستشار الموقر أحمد رفعت عندما كان يستعرض موضوعات فك الأحراز.. فكان ينطق كلمة "أمامُنا" بضم الميم الثانية.. والصحيح أنها ظرف منصوب ويتم نطقها "أمَامَنا" بفتح الميمين. صحيح أن القاضي ليس مطلوبا منه أن يكون ضليعاً في قواعد النحو.. ولكنها مجرد ملاحظة لتكتمل الصورة الجميلة.