رغم كثرة المؤتمرات التي عقدت علي مدي السنوات الماضية لبحث ظاهرة التطرف والإرهاب فإن مؤتمر مكتبة الإسكندرية الذي اختتم أعماله الثلاثاء الماضي بعنوان "صناعة التطرف.. قراءة في تدابير المواجهة الفكرية" كان حالة خاصة.. فقد قدم رؤي متميزة أكثر جرأة ومصارحة.. وتطرق إلي مناطق حساسة لم يتطرق إليها مؤتمر من قبل.. وابتعد خطوات عن الخطاب الرسمي النمطي العربي الذي لا يري في التطرف والإرهاب إلا قضية أمنية تواجه بالسلاح والإعلام الميري لا أكثر. وفي العرض الأخير الذي قدمه د. إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة لأعمال المؤتمر وتوصياته ظهرت أفكار وأطروحات عديدة عكست تنوع المشاركة في المؤتمر الذي ضم 250 مثقفاً وباحثاً وأكاديمياً وخبيراً من 18 دولة عربية في مجالات التطرف والإرهاب وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والاجتماعية.. وكان من أهم الأفكار التي طرحت في المؤتمر ما دار في النقاط التالية: * الفكر لا يحارب إلا بالفكر.. والرأي لا يتغير إلا بالاقناع العقلي.. بالكلمة.. وليس بالضغط والإكراه.. لذلك فإن أفضل مواجهة للتطرف يجب أن تكون بالعلم والثقافة وتحقيق التنمية.. ونشر الفهم الصحيح والمعاصر للدين.. والرجوع إلي كتابات رواد الفكر الإسلامي الإصلاحي واستعمال المنهج المتجدد من خلال أدوات البحث المعاصر والانفتاح علي الآخر. * مواجهة التطرف غير منفصلة عن تحديث المجتمع ككل.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.. مع أهمية محاربة التهميش والاهتمام بالحكم الرشيد والمواطنة والعدالة الاجتماعية. * الأسباب التي تدفع إلي التطرف هي انسداد الأفق السياسي وغلق المجال العام أمام الشباب للتعبير.. وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.. وتضاؤل دور الأسرة في عملية التربية والتنشئة.. وجمود ومركزية العملية التعليمية. * لابد من فهم آليات عملية الاستقطاب التي تقوم بها المنظمات المتطرفة لجذب الشباب.. في ظل معاناة الشباب من حالة الاحباط والتهميش والظلم الاجتماعي وفقدان الأمل والرغبة في التغيير. * الشباب المنخرطون في داعش مهمشون اجتماعياً في بلادهم.. وقد لعبت المرأة دوراً خطيراً في استقطابهم إلي التنظيم.. ويتم اسناد العديد من المهام إلي المرأة.. مما ينذر بخطر تنشئة أجيال جديدة من المتطرفين. * من أهم أسباب التطرف في العالم العربي عدم رضا المواطنين واحساسهم بغياب العدالة في توزيع الفرص.. والتشكيك في الخطاب الديني.. سواء خطاب التعصب أو خطاب الدعاة المرتبطين بالحكام.. والاحباط الذي يصيب المواطن ويدفعه إلي التغيير والهرب من الأوضاع المتردية.. أو من الدنيا للآخرة. * الضعف العربي والتفكك والتخاذل في مواجهة التفوق الإسرائيلي أدي إلي قناعة قطاعات من الشباب بالعجز والشعور بالدونية.. وأن البديل هو اللجوء إلي التطرف رفضاً لهذا الواقع المرير. * القضاء علي ظاهرة التطرف يحتاج مجموعة من الإجراءات منها: تعديل المناهج الدراسية لنشر الفكر الوسطي المعتدل.. والإيمان بأهمية التنوع والتعدد في أوطاننا.. وإزالة المتاريس النفسية القائمة بين المواطنين لتحقيق الوئام الاجتماعي والسياسي.. وإعادة النظر في مناهج المعاهد الدينية وتوحيدها لتدريس الحريات الفكرية والدينية وحقوق الإنسان. وتبقي هنا كلمة لابد منها: إذا أردت أن تواجه التطرف في الدين أو للدين بفاعلية فلابد أن تواجه في الوقت ذاته التطرف ضد الدين.. فكل فعل كما تعرف له رد فعل.. مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه.