أصبح التسول مهنة في هذه الأيام!! كثر الشحاتون في كل الشوارع والميادين وفي رحاب المساجد والأولياء.. وكل منهم ينادي علي المارة: حسنة لله ما محسنين.. والأجر والثواب عند الله.. ربنا يخليلك عيالك ويكفيك شر الطريق إذا تصدقت علي العبد المسكين ببعض المال!! لا يوجد حصر لعدد المتسولين في أنحاء الجمهورية.. وأعتقد أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يعجز تماماً عن تقدير عدد المتسولين في مصر.. ولكني أعتقد أن هذا العدد لا يقل عن أربعة ملايين متسول علي الأقل. وإذا دهبتي إلي أحد القبور للمشاركة في دفن ميت ستفاجأ بأن هناك العشرات من الشحاتين.. وهو لا يتركك إذا قلت له: الله يحنن!! بل يظل يطاردك إلي آخر مدي وهو يكاد يلتصق بك. وبعض المتسولين أو معظمهم تجده قادراً علي العمل لكنه يفضل هذه المهنة علي أن يتعلم حرفة يأكل منها.. الآن أصبح من العملات الصعبة أن تجد سباكاً أو نقاشاً أو فنياً في الكهرباء أو في تركيب البلاط والسيراميك أو غيرها من المهن التي لا تتطلب الحصول علي شهادة. وأنا شخصياًَ أعرف سباكاً قريباً من منزلي.. وكم ألححت عليه ليأتي ويصلح بعض أدوات السباكة في الشقة.. وفي كل مرة يعدني ويقول لي أنا في عمل لمدة ساعتين وسأوافيك بعد الانتهاء منه.. ولا يمكن أن تتخيل أنه مر علي هذا الموعد ومواعيد أخري كثيرة أكثر من عام ونصف العام.. وسيادته لم يشرفني بالحضور!! بعض المتسولين تجده في صحة جيدة.. وبعض المتسولات يلبسن الحجاب والنقاب ليستترن خلفه.. وإذا بحثت عن عاملة تنظف البيت لا تجدها بسهولة وقد تحولت عاملات البيوت إلي سيدات أعمال لأن أجرها في 5 ساعات لا يقل عن 100 جنيه أو 150 جنيهاً.. ومع ذلك فإن القادرات علي العمل يفضلن التسول لأنه أكثر راحة والحصيلة تكون مضاعفة!! بعض المتسولين يدعي أن رجله مكسورة أو أن يده مقطوعة.. وبعض المتسولات تحمل طفلاً صغيراً علي يديها. وربما تكون قد سرقته أو استفلته لتشحت عليه.. وقد رأيت فيديو لأحد المتسولين يدعي أن رجله مقطوعة وأخذ يمد يديه للمارة ليحسنوا عليه.. ومرت فتاتان ربما كانتا تعرفان أن هذا تحايل منه.. فأمسكت إحداهما ب "بورص" ولفته في ورقة وعندما مرت علي المتسول أخرجت "البورص" من الورقة ووضعته في يده فانتفض واقفاً وهو يتنطط.. وهنا انكشفت حيلته!! ظاهرة التسول المنتشرة في مصر حالياً تسيء إلي البلد غاية الإساءة.. ويبدو أن الجميع وجد في هذه المهنة المكسب السهل الذي لا يقابله أي عمل مع أن الأعمال متوفرة في المهن التي ذكرتها ويستطيع الإنسان أن يعيش إذا مارسها بكرامة وعزة نفس. والتسول ظاهرة طاردة للسياحة.. فالسائح الذي يريد أن يشاهد معالم مصر الأثرية وغير الأثرية يسوءه أن يزعجه المتسولون في غدوه ورواحه.. وربما يمتنع عن الحضور مرة أخري. أما الذي دفعني إلي كتابة هذا المقال فقد قرأت خبراً عن القبض علي أحد المتسولين في محطة سكك حديد الأقصر رغم أنه مقيم في دائرة قسم شرطة كرموز بالاسكندرية وفضل أن يذهب إلي الصعيد حتي لا يتعرف عليه أحد ويستغل تدفق السائحين لمشاهدة المناطق الأثرية في تلك المدينة التي تضم ثلث آثار العالم. فقد تمكنت مباحث السكة الحديد من القبض علي المتسول فوجدت معه مليونا و240 ألفاً و75 جنيهاً رغم أن عمره لم يتجاوز 40 عاماً.. فإذا فرضنا أن موظفاً ذا كفاءة عالية وشهادة عليا مثل الهندسة أو الطب ستجد أنه لا يمكنه تحصيل هذا المبلغ طوال حياته الوظيفية علي مدي أربعين عاماً. ذهب رجل يسمي "حزام" إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وطلب منه بعض المال فأعطاه الرسول.. ثم ذهب إليه في اليوم الثاني.. فأعطاه أيضاً.. ثم في اليوم الثالث فأعطاه ثم قال له: يا حزام إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بطيبة نفس بورك له فيه.. ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالناس يأكل ولا يشبع!! أو كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.