شهر المحرم منذ بدايته يحمل ذكريات كريمة وعزيزة علي كل مسلم.. عبق التاريخ بكل روائحه الطيبة وبطولات الرجال الذين انتشرت علي أيديهم دعوة الحق والعدل في كل أرجاء المعمورة.. تضحيات وتحمل للمعاناة والمتاعب واستعذاب للأذي في سبيل الله عز وجل. فقد سجل القرآن الكريم مواقف هؤلاء الرجال سواء من أهل مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة يقول الله في سورة الحشر: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" "8. 9 الحشر". كما أن شهر المحرم يذكرنا في يومه العاشر بذكري يوم عاشوراء وفضائل يوم صيامه اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم صيامه يكفر صغائر الذنوب وثوابه يحتسب للصائم. عندما نتأمل جيداً بطولات هؤلاء الرجال الذين أخرجوا المشركون رغماً عنهم من ديارهم وأموالهم وقد تركوا كل ذلك من أجل رضوان الله وفضله. لا يبتغون شهرة أو جاهاً أو أي شيء من هذه المظاهرالزائفة فها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. قد أعد راحلتين استعداداً للهجرة مع سيد الخلق محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم فقد كان يتأهب للهجرة وطلب من الرسول الإذن له لكنه قال له: انتظر لعل الله يجعل لك رفيقاً. وبثاقب فكره فطن إلي أن الرفيق هو وسيد المرسلين فقام بتجهيز الراحلتين. وعندما جاء الرسول صلي الله عليه وسلم في الموعد الذي أذن فيه بالهجرة كان جميع من في بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه علي أعلي مستوي من الاستعداد للمساهمة في هذه المهمة بإيمان ثابت ويقين لا يتزعزع وسرية تامة ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالي فقد كانت تربية الصديق لأبنائه قائمة علي قواعد ثابتة وحب الله ورسوله الجميع يبتغون رضاء رب العباد. مواقف ثابتة وحب امتلك وجدان الصديق ويكفي ان رب العالمين أشار إلي ذلك في آية سورة التوبة: "الا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" 40 التوبة وها هو الصديق تنهمر دموعه وتتساقط علي وجه الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم عن سبب ذلك أخبره أبو بكر بأنه قد دخل الغار الذي ضمهما معاً وقد سدد كل الفتحات الموجودة بالغار وبقيت فتحة لم يجد شيئاً يسد بها فوضع قدمه عليها ليمنع أي حشرات تتسلل إلي داخل المكان ونتيجة لذلك انهالت عليه الحشرات والحيات الموجودة معها ثعابين تلدغه بينما هو صابر وقد ترجمت دموعه هذا الصبر. وتقديراً لهذا التحمل وتلك الأعمال الجليلة فقد دعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي سورة الليل ما يشير إلي مكانة الصديق "وما لاحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي". وفي سياق متصل فإن هناك رجالاً تحملوا الأذي وصبروا ابتغاء وجه الله تعالي وتضيق هذه المساحة عن ذكر هذه الأسماء ونكتفي بذكر البعض. منهم عمر بن الخطاب. وعثمان بن عفان. وعلي بن أبي طالب. وبلال بن رباح. وعمار بن ياسر وغيرهم وغيرهم كتب التراجم والسيرة عامرة ببطولاتهم ومواقفهم التي تقطر نوراً ومحبة. وهناك الضعفاء الذين قهرهم الطغاة لكنهم لم يستسلموا ووقفوا في ثبات يتلقون الأذي وقلوبهم عامرة بالإيمان وينصرون الله ورسوله. فها هو صهيب الرومي قد منعه الكفار من الهجرة من مكة إلي المدينة لكي يلحق بالرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا: اتيتنا صعلوكاً ثم أصبحت تاجراً كبيراً وتملك الكثير من الأموال وأمام هذا الجبروت من التصرفات غير الإنسانية عرض عليهم فكرة تتمثل في التنازل لهم عن كل أمواله وتجارته مقابل أن يطلقوا سراحه لكي يهاجر وقد استجابوا علي الفور وقد أشار القرآن إلي هذا الموقف "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد" والرسول صلي الله عليه وسلم عندما بلغه هذا الخبر قال: "ربح البيع يا صهيب" وفي رحاب الهجرة الكثير من النماذج ليتنا نقتدي بها ونستلهم مواقف هؤلاء الرجال في مسيرتنا وكل شئون حياتنا والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.