جوائز المهرجان القومي للسينما تبقي باب الأمل في امكانيات لتطور السينما المصرية بما يليق بماضيها مفتوحاً وتضع أمام النقاد السينمائيين علامة "خطر" تمنعهم من استمرار جلد هذه الصناعة الوطنية شديدة التأثير بما في ذلك جلد أحد صناعها البارزين مثل "السبكي"! ذلك لأن دوران عجلة الإنتاج مكسب أكيد ولابد من الحفاظ عليها. فالحركة في المثل العامي البسيط جداً "بركة" ومع الحركة تخرج أفلام من نوعية "الفيل الأزرق" و"لامؤاخذة" الحائزان علي أهم الجوائز في كل العناصر تقريباً منذ أيام. العملان لمخرجين شابين يدركان ماهية الفن السينمائي ومقومات الفيلم الناجح. بالمعايير الفنية. وأمام كل منهما مع استمرار "الحركة" مشوار وفرصة لمزيد من العطاء. مروان حامد "38 سنة" لفت الأنظار مع أول ظهور له بفيلم روائي قصير "لي لي" ثم بدأت أعماله الروائية الطويلة معلنة عن ميلاد "فنان" يكتب بلغة الفيلم وليس مجرد صنايعي. ويفهم احتياجات الجمهور "المحلي" التي ينتظرها من وسيط ترفيهي ومن دون أن يبتذل هذا الاحتياج بالنزول إلي مستويات مسفة ومبتذلة فجاءت أفلامه معبرة عن قدرة تعبيرية واختيار لموضوعات لا تتعالي علي ذوقه وثقافته.. ولعل أفضلها من وجهة نظري هو الفيلم الفائز في هذه الدورة من المهرجان القومي "الفيل الأزرق" وهو العمل الذي خرج عن المألوف تماماً بالنسبة للجمهور وأوغل في الاختلاف باختياره الرواية التي اعتمد عليها الفيلم ثم أوكل إلي مؤلفها كتابة السيناريو وحقق نجاحاً جماهيرياً ومعني ذلك أنه تحدي المقولة المتجذرة في الثقافة الاستهلاكية السائدة: "الجمهور عايز كده".. والمعني الأهم أن الجمهور يمكن أن يتقبل عملاً مركباً وفلسفياً وخارج السياق وبعيداً عن توقعاته ولكن بشرط أن يبقي علي أهم دوافعه حين يهم بدفع ثمن التذكرة أعني الترفيه والمتعة الفنية. هذه المعادلة نادرة الحدوث أصبحت ممكنة مع فوز العمل الثاني "لامؤاخذة" للمخرج عمرو سلامة "34سنة" وهو الفيلم "الهادف" من دون أن يكون "الهدف" سبة في جبين مريده. لأن كل الأفلام تهدف إلي تحقيق شيء ما دون النظر إلي ماهية هذا الشيء.. ولكن حين نستخدم هذه الصفة فنحن نشير إلي وظيفة مهمة جداً من وظائف الفن ألا وهي "التنوير" وإثراء الوعي الجمعي لعشاق السينما.. ومن دون شك أن عمرو سلامة نفسه يعتبر قيمة مضافة إلي صناعة الفيلم في مصر وأعماله تجسد ما نعنيه بالفيلم الهاف الذي يتسم بالعمق والمعالجة البسيطة. وتحقيق "الرسالة - الهدف" أو مجموعة الرسائل بأسلوب فني جميل وجذاب. وقبل "لامؤاخذة" الذي يتعرض لموضوع حساس ومهم مثال. قدم عمرو فيلم "678" "2010" و"أسماء" "2011" وأفلامه في معظمها يميزها البعد عن السطحية والاستسهال والإصرار في نفس الوقت علي الالتقاء مع الدافع والرغبة الضرورية لدافع التذكرة. مروان حامد وعمرو سلامة الفائزان بجوائز القومي شهادة علي وجود فن سينمائي مصري. وصناع ممتازين للفيلم يبرر إقامة مهرجان قومي سنوي للإنتاج السينمائي وتخصيص جوائز مالية للفائزين في مسابقته. ويطالبنا بضرورة مساندة هذه الصناعة رغم إنتاجها "الهابط" في كثير من الأحيان لأن "الهبوط" ليس قدراً. ومن الممكن أن يتحقق التعافي والنهوض مع تعافي المجتمع نفسه وخروجه من حالات الهبوط متعدد المستويات. ولاحظوا أن ثمة أجيالا تولد سنوياً في هذا الحقل والدليل هذا العدد من الأفلام الروائية القصيرة التي شاركت في نفس المهرجان وحصل صناعها علي جوائز.. ومنهم المخرجة الشابة ميسون المصري الذي فاز فيلمها "شارع البستان السعيد" والمخرجة دينا عبدالسلام التي حصلت علي الجائزة الأولي بفيلمها "ألف رحمة ونور" ومهند دياب مخرج "حياة كاملة" وكلها أفلام وجدت مؤخراً طريقها للعرض في التليفزيون من خلال برنامج "اتفرج يا سلام" الذي يعده الزميل مجدي الطيب ويحرص علي أن يحوله إلي مناسبة لنشر الثقافة السينمائية والتعريف بفئة من المبدعين الشباب المحتاجين للتشجيع والأخذ بيدهم. لا يملك أي محب للسينما إلا أن يشعر بالتفاؤل لأنه برغم النسبة القليلة الجيدة من الأفلام المصرية إلا أن تميزها وحصولها علي الجوائز يعني أننا كصناعة لن نغيب أبداً علي الخريطة السينمائية في محيطنا العربي والإقليمي وإن كنا أصبحنا في مواجهة تحد أكبر أمام أجيال من السينمائيين العرب تشارك وتكسب في المسابقات الدولية وتتجاسر علي الحدود العالمية وتشارك في مسابقة مثل الأوسكار.