عندما يموت الضمير.. ويتجرَّد الإنسان من مشاعره ويفقد إنسانيته.. وتنتزع الرحمة من قلبه.. ويتحول إلي حجر أصم كل ما يعنيه هو جمع المال بأي وسيلة حتي وإن كانت هذه الوسيلة هي حرمان ميت من أبسط حقوقه إلا بعد سداد مبلغ من المال لتسليم الجثة.. إنها مأساة مشرحة مستشفي الهرم التخصصي والتي يصل فيها سعر الليلة الواحدة للمتوفي إلي 250 جنيهاً.. مأساة يرويها لنا شقيق المتوفي: بين ظلام الليل.. وفي حوالي الساعة الثالثة صباحاً يستيقظ جلال محمد مكرم 54 عاماً موظف بشركة ملابس علي صوت التليفون مفزوعاً لسماع خبر وفاة شقيقه فيذهب إلي مستشفي الهرم التخصصي في السادسة صباحاً ومعه الكفن وسيارة نقل الموتي لزوم الإجراءات فيخبر أشقاءه أنه بحضور الكفن والسيارة قد وفر عليهم مبلغ ألف جنيه كانوا سيدفعونه إلي المشرحة لزوم الإجراءات وبعد محاولته الدخول إلي المشرحة لرؤية أخيه وجدها مغلقة. وعلي الباب رقم تليفون واسم الشخص المسئول عنها "ح.ع" وحينما اتصلوا به جاء مسرعاً وطلب منه البطاقة الشخصية وبسؤاله عن السبب أجاب: أن هناك نصابين يحضرون لسرقة الجثث من المشرحة بحجة أنهم أقارب المتوفي. وبعد أخذ البيانات من عم جلال وتوقيعه فوجئ بأنه يطلب منه مبلغاً وقدره 250 جنيهاً. وبالاستفسار عن السبب.. أجاب: لاستئجار الثلاثة! وعندما سأل الموظف هل يتم تأجير الثلاجة فأجابه نعم علي الرغم أن عم جلال قد مر بنفس الظروف مرات عديدة ولم يدفع شيئاً. قال له مسئول المشرحة إن هناك شخصاً يدعي الجبروني يستأجرها لحسابه الشخصي ويدفع القيمة الإيجارية للمستشفي من الباطن وحينما رفض عم جلال وإخوته دفع المبلغ في بادئ الأمر قال لهم في هذه الحالة لن تستلموا الجثة إلا بعد دفع المبلغ المطلوب. واضطر عم جلال أن يدفع المبلغ مرغماً حتي يستطيع استلام جثة أخيه وعندما طالبوا بحضور المغسل قال إنه هو من سيقوم بالغسل. وبعد الانتهاء طلب مني بالأمر مبلغاً آخر 200 جنيه. يتساءل عم جلال: هل لو لم يكن معه هذه المبالغ فماذا سيفعل؟. وهل هناك تجارة في الموت علي الرغم أن إكرام الميت دفنه؟.. فكيف لا أكرم أخي حتي بعد موته؟.. ومن المسئول عن جعل مشرحة تتحول إلي فندق خمس نجوم يدفع فيها النزيل المتوفي 250 جنيهاً في الليلة الواحدة؟ أنهينا معه الحوار وهو يبحث عن إجابة لسؤاله. هل المسئولون في المستشفي وفي وزارة الصحة علي علم بهذه المهزلة الإنسانية والأخلاقية أم أن الموضوع في طي الكتمان ولا يدري به أحد؟