الضالعون في شئون الثقافة الجماهيرية. يعرفون يقينا أن هناك دائما من يتطوع باختراع إجراءات إدارية أو مالية. لا علاقة لها بالمنطق الوظيفي أو طبيعة العمل الثقافي. لكنها تكتسب قوة القانون مع إقرارها والتعامل بها وتغذية القادة لها. خصوصا حين يكتشفون أنها تحصنهم من الأخطاء المحتملة وتعفيهم من الخيال الإداري. دون أن يعرفوا أن التاريخ الذي صنعه هذا الجهاز لم يكن إلا محض أحلام وطموحات. وأن تحقيق تلك الأحلام العظيمة لم يكن إلا باختراق السياجات والنفاذ من بين الثغرات. وتحويل المعوقات إلي قوي دافعة. مناسبة هذا المدخل أن القضاء المصري كان قد حكم للعاملين بهيئة قصور الثقافة عام 2011. بأحقيتهم في الحصول علي بدل طبيعة عمل بنسبة خمسين بالمائة من أساسي الراتب. أسوة بزملائهم العاملين في قطاعات مشابهة. ووافق الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة مبدئيا علي هذا الأمر.. وتدخلت نقابة العاملين بالصحافة والطباعة والإعلام التي ينتمي إليها عاملو الهيئة. وبدأت توجه أعضاءها إلي لجنة فض المنازعات للحصول علي توصيات واجبة النفاذ بذلك. وقد منحتها اللجنة مشكورة لكل من لجأ إليها وبأقدمية خمس سنوات. حين ذاك ومع اكتشاف أن الهيئة يعمل بها نحو سبعة عشر ألف موظف وأن الاستمرار في هذا الإجراء يكبد ميزانية الدولة أعباء إضافية» طلبت وزارة المالية من الهيئة وقف الإجراء وعدم موافقة ممثل الهيئة علي التصالح. فتوقفت الهيئة عن الموافقة علي إصدار تلك الصيغ. - ذلك بحسب تصريحات السيد رئيس الهيئة في جريدة اليوم السابع- ثم هدأت العاصفة بعد حصول العاملين علي نسبة ال200% حوافز وإثابة. لكن الهيئة بدأت تخاطب المالية مرة أخري لتنفيذ صيغ لجان فض المنازعات واجبة النفاذ لأنها بمثابة أحكام قضائية يجب تنفيذها. وقد استجابت المالية مؤخرا وقامت بإرسال نحو ثلاثة وتسعين مليون جنيه لتسوية هذه الحقوق. مع وصول هذا المبلغ وجدت الهيئة نفسها أمام أحوال ثلاثة: قطاع يبلغ نحو أربعة آلاف موظف يملكون أحكاما قضائية واجبة النفاذ. حصلوا عليها بمجهودهم الشخصي أو بنصيحة بعض العارفين لهم بإجراءات التقاضي.. قطاع آخر صدرت له مجرد توصيات ومحاضر اتفاق من لجنة فض المنازعات في حضور ممثل الهيئة . لكنها لم تدعم بصيغ تنفيذية. لأن أصحابها لم يكونوا يعلمون ولم يخطرهم أحد بضرورة الحصول علي صيغ تنفيذية.. بل الأدهي من ذلك أنهم وقعوا ضحية التضليل حيث أخبرهم المسئولون بالهيئة أنهم سيتولون إتمام باقي الإجراءات. وبالتالي عادوا أدراجهم دون أن يحصلوا علي أي مستند. وهم موقنون بأن حقوقهم في أيد أمينة. وأن الهيئة لن تجحف واحدا من أبنائها أبدا.. غير أن الظنون الرومانسية شئ والواقع الوظيفي بالهيئة شئ آخر مختلف تماما. فهؤلاء النفر هم الذين تهدر الآن أوقاتهم والأوقات المخصصة لتأدية أعمالهم. حيث راحوا يقطعون الأشواط جيئة وذهابا بين الهيئة ولجنة فض المنازعات. من أجل الحصول علي ما يثبت أنهم قاموا فعلا بتحرير محاضر اتفاق. بغرض تسهيل وتقليل وقت التقاضي الذي عليهم أن يبدأوه من جديد.. القطاع الأخير من العاملين لم يسمع أصلا بالموضوع. إلا حين بدأ الصرف الفعلي للحاصلين علي صيغ واجبة النفاذ مؤخرا.. نعم فمع وصول المبلغ المطلوب من المالية. تطوع الخبراء وأشاروا لأولي الحل والعقد بالهيئة اتخاذ إجراءات الصرف الفوري للحاصلين علي الصيغ واجبة النفاذ فقط وبأقدمية تسع سنوات. أما باقي زملائهم فعليهم أن يدوروا إلي الخلف ويبدءوا المشوار من أوله.. دون أن يحرصوا - من جانبهم - علي البحث عن صيغة إدارية ومالية تحقق مبدأي العدالة والمساواة اللذان أقرهما الدستور وحرص عليهما. محرماً التمييز بين المواطنين. لما ينطوي عليه من آثار سلبية خطيرة تهدد السلام الاجتماعي. تخيلوا نحو ثلاثة عشر ألف موظف لا سبيل أمامهم الآن لمساواتهم بزملائهم إلا أن يرفعوا قضايا شخصية أمام محاكم القضاء الإداري!.. أي زمن يحتاجه المرء - إذن- ليصل إلي ذات النقطة التي يقف فيها زميله. الجالس إلي المكتب المجاور له. داخل نفس الإدارة بنفس الجهاز.. لن أحدثكم بالطبع عن مشاعر الآلاف وهم يطالعون زملاءهم الذين تجمعوا أمام شبابيك الصرافين ليحصلوا علي حق مُنح لواحد ومُنع منه الآخر. مهما صغرت أو كبرت قيمة هذا الحق. وبغض النظر عن تقييم مستوي أداء هذا وأداء ذلك. لأن هذا الحق مكفول بموجب الانتماء لهذا الجهاز. وليس لميزة نوعية أحرزها واحد ولم يحرزها الآخر.. أي ظلم وإحباط وحسرة وغيظ مكتوم. خصوصا للذين لم يبخلوا علي هذا الجهاز بوقتهم الخاص وفكرهم وإبداعهم. ووصلوا فيه الليل بالنهار من أجل تثقيف وتوسيع مدارك ووعي أبناء هذا البلد. وتغذيتهم روحيا وفكريا.. بأي وجه نطلب منهم يومئذ أن يحافظوا علي الرمق الأخير في جعبة هذا الجهاز. الذي يعيش لحظة تاريخية فارقة تستوجب مكاشفة ومساءلة واقعه. واحتياجه الملح إلي تصحيح وتعديل صورته في أذهان العاملين به. قبل فحص شئونه المستقبلية واختبار قدرته علي العطاء وتحقيق العدالة الثقافية.