انتهت أزمة الطيارين التي افتعلتها رابطة الطيارين بمساندة النقابة المستقلة بسحب استقالاتهم الجماعية التي تقدموا بها.. رغم أنني كنت أتمني من الطيار حسام كمال وزير الطيران المدني التوجيه بقبول استقالاتهم فور تقديمها خاصة أن الرابطة والمستقلة ارتديتا ثوب البطولة بالبيان الذي أصدرته الرابطة لسحب استقالات الطيارين البالغ عددهم 224 طيارا علي عكس الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني بأن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي كانت بمثابة طوق النجاة ليجملوا صورة انفسهم. لم تكن مفاجأة اشتعال الأزمة التي تشهدها وزارة الطيران المدني حاليا بالمواجهة بين الطيارين والإدارة أو بمعني أدق الوزارة و تهديد الطيارين بالإضراب وقيام 224 طيارا منهم بتقديم استقالات جماعية .. لكن المفاجأة "التربيط" بين رابطة الطيارين والنقابة المستقلة - المتضادين - للتهديد بالإضراب والاستقالات الجماعية لضرب مصر للطيران في مقتل وإنهيار ما تبقي منها في حالة عدم استجابة الإدارة لمطالبهم التعجيزية ومنها علي سبيل المثال زيادة رواتبهم الإجمالية بنسبة 50% ليصل متوسط رواتبهم إلي 15 ألف دولار شهريا .. والمفاجأة الأكبر توقيت إفتعال الأزمة في نفس توقيت احتفال الشركة الوطنية ¢ مصر للطيران ¢ بمناسبة مرور 83 عاما علي تأسيسها كأول شركة طيران عربية وأفريقية وسابع شركة علي مستوي العالم علي طريقة "كرسي في الكلوب". بداية نحن لسنا بصدد الدفاع عن طرف ومؤازرته ضد الآخر.. والأزمة كما قلنا ليست وليدة اليوم لكن انفجرت نتيجة تراكمات كثيرة كانت تستلزم بل تستوجب قرارات في حينها لقطع الطريق علي كل "عبده مشتاق" يسعي لجذب نظر القيادات إليه بصفته متحكما في القاعدة العريضة ليتبوأ منصبا. بوادر الأزمة بدأت عندما تم تعديل لائحة الركب الطائر التي تضم الطيارين والضيافة الجوية والتي شملت بنودا لصالح الطيارين وجارت في نفس الوقت علي الضيافة التي رفض أعضاؤها بالإجماع تطبيق اللائحة المعدلة فَاضطرت الإدارة إلي وقف تنفيذها علي الضيافة وتطبيقها علي الطيارين فقط.. لكن اللائحة الجديدة رغم تضمنها امتيازات للطيارين ربطت في نفس الوقت للحصول علي هذه الامتيازات بين الأجر و العمل .. وهنا فوجئ الطيارون بأنهم خرجوا صفر اليدين بعد شهور طويلة من التخطيط والتظبيط لتعديل اللائحة بما يحقق طموحاتهم وطلباتهم المشروعة وغير المشروعة فبدأ التربيط بين النقابة المستقلة للطيارين والرابطة لفرض الأمر بزيادة رواتبهم بنسبة 50% كما ذكرنا بمناوشات ثم سرعان ما حدثت التصعيد والمواجهة مع كل من الإدارة والوزارة بالتهديد بالإضراب الشامل ثم الاستقالات الجماعية التي نري أنه كان يتعين علي إدارة مصر للطيران قبول الاستقالات فورا وبلا تردد مهما كانت الخسائر المؤقته وذلك في ظل ترقب بل تربص 33 ألف عامل في مختلف شركات وقطاعات مصر للطيران خاصة عمال التحميل والعاملين في الصيانة والضيافة وغيرها من الفئات التي استجابت لنداء الطيار سامح الحفني رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران بتأجيل المطالب الفئوية لحين استعادة الشركة لتوازنها وكان موقفهم وطنياً ومحترما جدا. وجهة نظر مشروعة.. ولكن! للطيارين وسط هذه الأزمة وجهة نظر مشروعة تتلخص في مجاملة عدد من زملائهم الكباتن وتعيينهم في مناصب لا تستحق أن يشغلها طيار وحصولهم علي رواتب أعلي منهم .. فعلي سبيل المثال رئيس نادي إيروسبورت ¢ وليد مراد ¢ طيار طراز عريض بشركة مصر للطيران للشحن الجوي حصل علي تفرغ ولا يطير سوي رحلة واحدة كل شهر ونصف تقريبا للمحافظة علي صلاحية رخصة القيادة فقط - وغالبا ما تكون إلي الخليج - مقابل إدارة نادي عبارة عن حديقة وحضانة أطفال براتب يصل إلي 120 ألف جنيه تقريبا شهريا إضافة إلي تعيينه عضوا بمجلس إدارة شركة الشحن الجوي وما يحصل عليه من بدلات ونسبة الأرباح سنويا .. كل ذلك رغم أن راتب رئيس النادي المفروض ألا يزيد علي 19 ألف جنيه شهريا فقط .. وغيرها من المجاملات التي تكاد أن تؤدي إلي إنفجار العاملين وليس الطيارين فقط. لكن الطلب الغريب والمريب في الشكل والمضمون زيادة رواتبهم بنسبة 50% فرغم أنه بالفعل هناك فرقا بين رواتب الطيارين في مصر للطيران وغيرها من الشركات العربية والعالمية .. ولكن العمل في كل شركة له إيجابياته وسلبياته .. فالطيار في مصر للطيران رغم إنخفاض راتبه عن أقرانه في شركات عربية له مميزات كبيرة منها علي سبيل المثال وليس الحصر أنه في حالة فقد صلاحية الطيران بسبب مرض عضال لا تلقي به الشركة في الشارع بل تعالجه وتوفر له وظيفة كريمة براتب كبير ويعيش معززا مكرما حتي يبلغ سن التقاعد "60 عاماً" إضافة إلي حصوله علي حقوقه من الصناديق والتي قد تصل إلي مليوني جنيه .. في حين تقوم الشركات الأخري ذات الراتب الأكبر بإنهاء خدمته فورا ليواجه مصيره .. فليس من المنطق أن يطلب الطيار الجمع بين مميزات مصر للطيران وراتب شركة الطيران الإماراتية ومكافأة نهاية خدمة القطرية.. فلكل شركة إيجابياتها وسلبياتها ولكل واحد الحق في اختيار ما يناسبه منها. وحتي إن كان للطيارين بعض الحقوق المهدرة من وجهة نظرهم كان يتعين عليهم أن يتريثوا وأن يستكملوا الخطوات الشرعية للمطالبة بتلك الحقوق.. فإذا وجدوا أن الطريق وصل بينهم ووزارة الطيران لطريق مسدود فكان يتعين عليهم اللجوء إلي رئيس الوزراء .. وإذا فشل رئيس الوزراء في حل الأزمة وجب عليهم اللجوء لرئيس الجمهورية .. أما سياسة ¢ كرسي في الكلوب ¢ فهي مرفوضة شكلا وموضوعا في الوقت الذي تعاني منه شركتنا الوطنية من خسائر تراكمية منذ ثورة يناير 2011 تفوق العشرة مليارات جنيه. العرض والطلب لقد آن الأوان أن تعيد مصر للطيران النظر في سياسة تعيين الطيارين بما يثقل كاهل الشركة .. وأن تلجأ إلي سياسة العرض والطلب التي تنتهجها أغلب شركات الطيران العربية والعالمية .. فمصر للطيران تكاد تكون من الشركات القليلة بل النادرة التي تقوم بتعيين الطيار بعد تخرجه في كلية الطيران مباشرة و حصوله علي الشهادة وتنفق عليه ملايين الجنيهات لإعداده لقيادة الطائرة ليبدأ بعد اكتسابه الخبرة في مساومة الإدارة وتهديدها بالاستقالة للعمل بشركات الطيران العربية.. لذا يتعين إعادة النظر في هذا الإسلوب العقيم وأن يكون تعيين الطيارين بعقود محددة المدة وأن يتم تقدير الراتب طبقا لخبرة كل واحد وعدد ساعات الطيران التي نفذها وذلك مثل غالبية الشركات العربية والعالمية.. أعتقد أن هذه السياسة "العرض والطلب" ستقضي تماما علي الأزمة المزمنة وصراع القوي الدائر منذ قديم الأزل بين الإدارة والطيارين. عتاب يبقي عتاب للمسئولين الذين صنعوا من قيادات النقابة المستقلة للطيارين زعماء بين زملائهم بالاستجابة لكل طلباتهم المشروعة وغير المشروعة تجنبا لقيامهم بإثارة الأزمات حتي أصبحوا ¢ كابوهات ¢ يخضع الجميع لأوامرهم وباتوا متحكمين في تسيير الدفة وبإشارة منهم يقوم الطيارون بتنظبم الإضرابات وبإشارة أخري يتقدمون باستقالات جماعية لإحراج الوزارة والإدارة .. وانتهاء الأزمة بدون تدخل الدولة بقرار حاسم بقبول استقالة الطيارين الذين قدموا استقالتهم مهما كانت النتائج سيؤدي ذلك مستقبلاً إلي عجز الجميع عن مواجهة سطوة هذه الزعامات سواء في المستقلة أو في الرابطة .. وأثق أنه لو كانت الشركة قد قبلت استقالتهم كنا سنجد الوساطات تتدخل لإعادة بعضهم إلي العمل في حالة فشلهم في الإلتحاق للعمل بالشركات العربية التي يضربون المثل بمن يعمل فيها. وعمار يامصر!