في عالمنا العربي ظهرت المرأة منذ العشرينيات في القرن الماضي كصانعة للفيلم. لا تكتفي بالوقوف أمام الكاميرا وإنما خلفها تحرك طاقم الممثلين وتحرك أحداث الحكايات باستخدام لغة الصور المتحركة التي ابتكرها الغرب ثم تبناها الفنانون في الشرق الذين ربما امتلكوا من الحكايات الجذابة ما يغطي ليس فقط حاجتهم المحلية وإنما أيضاً حاجة الفيلم الغربي. عشرات الحكايات الخيالية المستمدة من ليالي الشرق العربية وليالي ألف ليلة وليلة اقتبستها الأفلام الأمريكية والأوروبية علي طول امتداد تاريخ السينما وصنعت بها أعمالا جذبت خيال الغرب وشدته إلي عوالم الشرق بأجوائه الغريبة. وعشاق السينما وباحثوها يتذكرون "فاتيما" أول إمرأة عربية تظهر في شريط غربي ضمن الشرائط المتحركة التي كانت تعرض في المعارض والأسواق الأمريكية ضمن ألعاب التسلية التي يتوق إليها رواد السوق. ظهرت "فاتيما" في معرض شيكاغو الدولي أوائل القرن الماضي. مباشرة بعد ابتكار الصور المتحركة وحركت بظهورها شهية الخيال المرئي فهي امرأة ليست كسائر النساء جذابة الملامح مغرية. تستخدم لغة الجسد والعيون وتثير الفتنة وتحرك الغريزة وتشيع جواً غريبا من الإثارة والفتنة. وفي العشرينيات ظهرت هنا في مصر حفنة من النساء المصريات تعرفهن بالاسم : بهيجة حافظ. فاطمة رشدي. عزيزة أمير وبعدهن ظهرت موجات أخري من أجيال أصغر. وأكثر طموحاً علي مستوي التعبير والحكي الروائي ليس فقط في مصر وإنما أيضاً في لبنان والجزائر وتونس والمغرب. ظهرت هؤلاء النسوة وشقت كل واحدة طريقها في صناعة يسيطر عليها الرجل. وداخل مجتمعات بطريركية محكومه بميراث طويل من التقاليد والقيم الاجتماعية المحافظة التي تضع المرأة في مرتبة أدني. وتنوعت تجربة المرأة المخرجة نفسها نتيجة اختلاف الظروف والمادة الموضوعية التي تستمد منها الأفلام بالإضافة إلي اختلاف وتنوع الخلفية الاجتماعية والذاتية لكل واحدة أعني أيضاً اختلاف النشأة والبيئة والتعليم وأضف كذلك إلي الاختلافات والتباين في الطريقة التي تنظر بها كل واحدة منهن إلي ذاتها. محكومة في نفس الوقت بوجهة نظر ودوافع متباينة بالنسبة لوسيط الفيلم.. بعضهن يثير الجدل. وبالتأكيد تختلف بنفس القدر ردود فعل الجمهور إزاء تجاربهن. فكل مخرجة تتشكل حياتها في إطار من التقاليد والواقع الاجتماعي الذي يتشكل منه وعيها وأولوياتها. وبالنظر إلي المجتمعات العربية سوف نلمح اختلافاً في الظروف من بلد لآخر. وسنلمح اختلافات في البيئة والتاريخ والجغرافيا والموروث الثقافي الحضاري والفني. وهناك في عالمنا العربي "تابوهات" تمثل خطوطاً حمراء في عملية الخلق الفني. بعض النسوة يرفضن التصوير حتي الآن. باعتباره عملاً محُرما يرفضه الزوج. ومن الممكن أن تكون هذه المرأة التي ترفض التصوير في المناسبات العامة حتي لا تنشر صورتها في الصحف ويراها كثيرون في اليوم التالي. امرأة عاملة ومتزوجة من رجل مهم بل تشغل مكانة مرموقة في مجتمعها وقد لا تمثل المرأة التي تعمل بالاخراج السينمائي النموذج الدارج في المجتمع لكنها تعبر من خلال أفلامها عن وضعية المرأة في مجتمعها وتلقي الأضواء علي الأفلام التي تكتبها والظروف التي تعوق حركتها واسهاماتها. هناك مخرجات عربيات كسرن هذه الحواجز وتجاوزن الخطوط الحمراء وعالجن الأشياء المسكوت عنها في المجتمعات العربية. ولكن إنتاج هؤلاء لا يجدن ترحيباً كبيراً وسط الجمهور العربي المعني بهذه الموضوعات. وإنما الترحيب الأكبر فضلاً عن الجوائز تجده في بلاد الغرب عند جمهور انجذب منذ أكثر من قرن إلي "فاتيما" ويدفعه الفضول الي رؤية "ألبومات" متنوعة عن "فاتيما" وما طرأ علي حياتها طوال المدة الزمنية المختلفة في مجتمعات لم تطرأ عليها تطورات جذرية في نظرته للمرأة. ولست علي أي حال من أنصار التيار السنوي في مجال السينما. لأن كل هؤلاء المخرجات البارزات منهن والمحيطات أنجزن إبداعهن بالتضامن مع الرجل. ورأيي أن "تحرير" عقل الرجل و"تنفيض" إرثة الثقافي الذي يشكل مفهومه وموقفه من المرأة. هو خير ضمان للمرأة في مسيرتها الإبداعية وعراكها لازالة العراقيل والسدود التي تحول دون تقدمها ومن ثم تقدم المجتمع العربي ككل.