قبل ان ينتهي شهر مارس عام 1977 وتحديداً في 30 منه رحل العندليب الأسمر "عبدالحليم حافظ" ومنذ ذلك التاريخ وإلي الآن ورغم مرور 37 سنة علي رحيله لم نستشعر لحظة واحدة غياب هذا الرجل.. فلم يكن حليم مطرباً كباقي المطربين بل كان ظاهرة كبيرة ومعجزة غنائية واضحة وعقلية فنية متفردة. امتلك وحده سر الخلطة الفنية التي تتحدي الزمن. ذلك الفتي النحيل الذي عرف طريقه الي وجدان الناس فعاش معهم وبهم حكاية حب طويلة. بداية قصة حياة عبدالحليبم حافظ بن عبدالحليم علي شبانة كانت عندما ولد في 21 يونيو 1929 بقرية الحلوات محافظة الشرقية وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم: إسماعيل ومحمد وعلية. توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل ان يتم عامه الأول.. توفي والده ليعيش بعدها هو وإخوته في بيت خاله الحاج "متولي عماشة" الموظف بوزارة الزراعة الذي نقلهم ليعيشوا معه في مدينة الزقازيق.. وبعد بلوغ عبدالحليم سن السادسة. ألحقه خاله بالكتاب ثم بالمدرسة الابتدائية. كان منذ طفولته المبكرة شغوفا بالاغاني والأناشيد وعندما استمع لفرقة موسيقي "المطافيء" بالزقازيق وجد نفسه مجذوباً الي هذا الفن.. وتعلم العزف علي آلة "الكلارنيت" علي يد رئيس الفرقة الموسيقية هناك وكانت تلك أول آلة موسيقية يتعلم العزف عليها.. حتي وجد فرقة موسيقية أخري تعزف علي الآلات النحاسية.. فتقدم علي الفور لهذه الفرقة وأظهر استعدادا كبيراً لتعلم الموسيقي مما دفع مدرس الموسيقي لأن يحتضنه ويعلمه العزف علي آلة "الأبوا" التي تخصص في العزف عليها فيما بعد عندما تقدم للدراسة بمعهد الموسيقي العربية. وبعد حصوله علي الشهادة الابتدائية.. أدرك حليم ان الموسيقي العربية والغناء يجريان فيه مجري الدم في العروق وعلم انها الطريق والغاية. وأكثر ما شجعه علي ذلك ان شقيقه الأكبر إسماعيل سبقه وحصل علي دبلوم معهد الموسيقي العربية. وفي السطور التالية تنفرد "المساء" بنشر أسرار في حياة العندليب يرويها ابن خالته الحاج "شكري أحمد داود" فيقول: - حليم فلتة فنية لن تتكرر وهو لم يكن ابن خالتي.. بل كان صديقي وأخي وأول مولود لي سميته "عبدالحليم" وحليم كان محبا للوطن وترابه واعطي لمصر والعالم الكثير ويكفي انه اسعدهم بصوته والحانه وكلماته واغانيه الوطنية لقد غني حليم لمصر والوطن العربي وحتي آخر انفاسه كان يعشق مصر وكان يعتبرها العمود الفقري للعالم العربي ومصر طول عمرها تعطي وتعلم علي ارضها الكثير ومع ذلك الدولة أهملت عبدالحليم.. وعلي الأقل يجب ان يقام له تمثال أو تسمية شارع أو ميدان بعاصمة المحافظة الزقازيق باسمه تخليداً له لأن حليماً كإنسان أعطي لمصر الكثير وصنع المعجزات ومع اصابته بالمرض اللعين ورغم انه كان متأكداً بأنه سيموت إلا أنه كان يغني لمصر حتي آخر أنفاسه. أضاف ابن خالته: اذكر ان محافظ الشرقية الأسبق عبدالسلام خفاجة قال لعبدالحليم إنه جمع تبرعات بسيطة لإنشاء الجامعة لكنها لا تكفي وان حليماً قال له بسيطة ونزل حليم معاه وقام بالمرور علي محبيه ونجح في جمع "مليون وستمائة الف جنيه" وذلك قبل وفاته بثلاث سنوات وطلب منه المحافظ إطلاق اسمه علي الجامعة لتكون جامعة عبدالحليم حافظ لكنه رفض وقال ان الزعيم أحمد عرابي ابن الشرقية أحق بها منه حيث كان عبدالحليم يفعل الخير ولا ينتظر المقابل. حليم لم ينس ابناء قريته الحلوات وكان يتواصل معهم.. والحلوات أول قرية يتم انارتها علي مستوي المحافظة حيث اشتري حليم مولداً كهربائياً خصصه لإنارة المساجد أولاً ثم إنارة المنازل ومد شبكات مياه الشرب بشوارع القرية ووضع 11 "حنفية" يملأ منها الأهالي حتي لا يصابوا بالبلهارسيا. وقال "محمد مرعي" وكيل وزارة الثقافة ومدير قصر ثقافة الزقازيق: عبدالحليم نجم النجوم ولم يكن هذا الفنان ابن ريف الدلتا وابن معاناة - الفقر واليتم والمرض - فنانا عاديا.. فربما كانت الظروف الاستثنائية التي وضعته فيها الحياة وتصاريفها هي الباعث له علي ان يكون فناناً إستثنائياً أيضاً. أشار مرعي الي ان الشرقية ولادة في جميع المجالات الثقافية والفنية والسياسية وجار عمل كتاب عن "أعلام الشرقية" يضم مايقرب من 400 شخصية من بينهم حليم.