مر نحو 5 شهور علي ذكري استشهاد أكبر عدد من ضحايا اعمال العنف التي شهدتها ثورة 25 يناير وبالتحديد يوم 28 الذي سقط فيه أكثر من 600 شهيد و5 آلاف مصاب. لتتوج المظاهرات التي عمت كل شبر في مصر بتاج الشهادة في سبيل أن تحيا مصر. خلال هذه الشهور الخمسة ظهرت وسائل كثيرة للمتاجرة بدم الشهداء ولتحقيق مكاسب. وتتقدم قائمة المتاجرين فئة المحامين وتابعوهم من الموظفين الذين يتناثرون هنا وهناك داخل المحاكم وخارجها. حيث لا يجوز لأسرة أي شهيد من الشهداء أن تخطو خطوة واحدة في أي أمر يتعلق بهذا الشهيد إلا علي يد محام. فالمحامون هم العالمون بكل التفاصيل القانونية وبكيفية التعامل مع الاجراءات . ليس خافيا علي أحد حال معظم هذه الأسر التي يقيم معظمها في المناطق الشعبية والعشوائية ولا تجد قوت يومها. فكان استشهاد ذويهم بمثابة مغارة علي بابا التي انفتحت أمامهم وهي مليئة بكل الخيرات مما لذ وطاب. وتتعدد مسميات هذه الخيرات فنجدها في شكل تكريم ما من مؤسسة أو وزارة أو هيئة أو شركة أو سفارة أو ناد أو أي جهة أخري تشعر بالتعاطف مع أسر الشهداء وتريد أن تعوضهم عن فقدهم لشهيدهم . ولأن كل جهة من هذه الجهات التي تهب خيراتها دون مقابل ودون سبب سوي التعاطف مع أسرة الشهيد تحتاج إلي ما يثبت أن هذه الأسرة أو تكل هي فعلا أسرة شهيد فلابد أن تقدم كل أسرة المستندات الدالة علي ذلك ومنها ما يسمي شهادة النيابة النيابة العامة والتي تحدد تاريخ الوفاة وسببها ومكان الاصابة وهل هي بطلق ناري أو خرطوش أو مطاطي أو غيره ووثيقة قيد عائلي وشهادتي الميلاد والوفاة من وزارة الصحة وتقرير الطبيب الذي حدد سبب الوفاة وصورة البطاقة الشخصية للشهيد وللزوجة والأولاد ان كان متزوجا وأنجب وشهادات ميلادهم بالاضافة إلي صورة فوتوغرافية حديثة. ويصل الأمر بأسرة كل شهيد أن أصبحت تلك المستندات جاهزة ومعد منها مئات النسخ لتقديمها لأي جهة تطلبها للحصول علي منفعة مما ادار عجلة المكسب لكل من شارك في استخراج هذه المستندات وتصويرها في استديوهات وأجهزة طباعة. والوسيط يكون دائما هو المحامي الذي يشترط الحصول علي 30% من قيمة المنح أو التعويضات أو التبرعات أو غيرها من أشكال الهبات التي تحصل عليها أي أسرة. واذا كانت المنحة 10 آلاف جنيه مثلا يحصل المحامي علي 3 آلاف جنيه. وتلي فئة المحامين فئة أخري أشد شراسة وهي فئة المؤسسين للأحزاب أو ائتلافات أو الاتحادات أو الجمعيات الجديدة التي ظهرت بعد الثورة تحت زعم انها تتحدث باسم الشهداء والمصابين وتعمل علي الحفاظ علي حق الشهداء. وتذكر زوجة أحد الشهداء أن الاحتفال الذي أقيم منذ اسبوعين تقريبا بنادي الطيران لتكريم أسر الشهداء والمصابين احتشد فيه مؤسسو عدد من الاحزاب الجديدة. لجمع توكيلات تفرض شروطا متعسفة منها انه لا يجوز إلغاء التوكيل إلا باتفاق الطرفين ويوهمون أسر الشهداء ان هذا الحزب تم تأسيسه للدفاع عن حقوق الشهداء الأمر الذي يلقي استجابة من الأسر علي منح التوكيل. ويقول شقيق الشهيد محمد عبدالفتاح من الاسكندرية ان تجربة هذا الاحتفال بالذات كانت مريرة حيث تحول إلي معركة بسبب ان منظمي الاحتفال جمعوا أكثر من 180 أسرة من أسر الشهداء بزعم تكريمهم ووعدوا بتقديم منح للعمرة لكل أسرة بالاضافة إلي هدايا مادية قيمتها 20 ألف جنيه لكل أسرة. فتكبدت تلك الأسر مشقة الانتقال من المحافظات المختلفة إلي القاهرة وكان من بينهم من لا يملك نفقات العودة إلي بلدته وفوجيء الجميع بأن التكريم عبارة عن شهادة تقدير فقط مما أشعل المشاجرات فهرب منظمو الحفل واختفوا. وهو الأمر نفسه الذي حدث من جانب الشيخ حافظ سلامة شيخ المقاومة بالسويس والذي وعد بمنح أسرة كل شهيد شقة و50 ألف جنيه ولم يلتزم بتنفيذ الوعد إلا مع عدد محدود من الأسر. وتتعدد بعد ذلك فئات المتاجرين بدم الشهداء لتضم القائمة العاملين بعدد من المستشفيات قاموا بتسهيل اجراءات الحصول علي شهادة تفيد بأن المتوفي شهيد في ميدان التحرير مقابل 2000 جنيه لكل شهادة . كذلك هناك مجموعة من رجال الأعمال ومن الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الانسان قامت بجمع تبرعات باسم أسر الشهداء ولم ينتفع بها أحد سواها . ويأتي بعد ذلك مصممو وطابعو وموزعو وبائعو البوسترات والبادجات والاعلام والتي شيرتات والكروت الشخصية ومكبرات الصوت وحتي سائقي الميكروباص الذين ينقلون أسر الشهداء إلي أماكن التجمعات وزادوا السعر استغلالا للظروف. فضلا عن المعارض التي أقامها منظمون متخصصون وهم يرفعون شعار البيع بنصف الثمن تكريما للشهداء بينما هم لا علاقة لهم بالشهداء.