أول أمس الجمعة عشت في دار الأوبرا أمسية جميلة ملأتني بالأمل والتفاؤل.. آمنت بأننا بالإرادة والعزم الصادق نستطيع أن نواجه العالم.. فالتحديات حين تتوفر الإرادة تصبح مجرد ريشة خفيقة نزيحها بسواعدنا وعقولنا المبدعة.. ولن تغيب الفنون عن ميادين التحدي وسوف يشارك الأطفال مع الأجيال الأكبر في صد معوقات المسيرة فكل شيء يبدأ في العقول أولاً ومن الأفكار السليمة البناءة تثمر الحياة. صناعة البهجة تتطلب من يستطيع توفيرها ويؤمن بها كغذاء روحي ومعنوي تغذي البدن الإنساني وقد امتلأت ساحة الأوبرا مع حفل الافتتاح بالألوان وبفيض من المسرح الطفولي وفوق المنصة الواسعة المفروشة بالسجاجيد الحمراء والخضراء قدمت فرقة الأطفال نمرا استعراضية لأطفال من كل صوب إلي جانب عروض الأراجوز.. الميكروفونات تصدح بالأغاني والأناشيد حالة من المرح والفرح نحتاجها. فعلاً لا شيء يعوق الإرادة في بعد توقف بسبب الأحداث اللعينة التي مرت بها مصر تعود الأضواء والصخب المنقم ويتواري المتقاعسون. المتشائمون بإرادتهم أو رغماً عنهم. داخل القاعة الكبري في هذا الصرح الفني الرائع بإرادة فنانة مصرية جميلة الملامح والروح "ايناس عبدالدايم" وقفت نماذج من أطفال المصريين يتحدثون بالعربية وبلغة انجليزية وصحيحة ورصينة وبثبات وابتسامة رائعة. أعضاء لجان التحكيم ومجموعة من الفنانين يمثلون رموزا فنية مصرية جديرة بالتكريم في هذه المناسبة "مهرجان فني للطفل" أذكر محمد صبحي. هاني شاكر. ياسمين عبدالعزيز. هاني شنودة. بوسي وسليم سحاب وشيري عادل وكتاب الأطفال دكتورة عفاف طبالة والدكتور محمد المنسي قنديل والشاعر شوقي حجاب ونوال الدجوي وعبدالتواب يوسف والراحلة ماجدة موسي التي تولت رئاسة مجلس أمناء مدارس مصر اللغات فهؤلاء جميعا لهم حق التكريم لقاء ما قدموه من أعمال ومشاريع تنشر المعرفة والوعي التربوي وتشيع البهجة وهم جميعا يقدرون ما عليهم من مسئولية ازاء الشعب والمجتمع وما يطرحه الحاضر من تحديات. سهير خبيرة المهرجان وقبل هؤلاء المكرمين تقتضي الموضوعية أن أذكر السيدة سهير عبدالقادر المرأة الدينامو وراء مهرجانات القاهرة ومهرجان الطفل منذ مولده الأول والعديد من المهرجانات الناجحة خارج القاهرة.. سنوات من الخبرة الطويلة والعمل الدءوب المخلص والنشاط الخالص لوجه الفن والوطن جعلها تحمل لقب خبيرة بجدارة في صناعة المهرجانات وتنظيمها ومنها المهرجان الخاص بسينما وفنون الطفل الذي بدأت فعالياته يوم 20 مارس وينتهي يوم 27 منه.. انها شخصية لا تعرف المستحيل أقولها شهادة لوجه الله.. صحيح ان دموعها قريبة وعصبية وأحيانا تصاب بالإحباط ولكن بالإرادة الفولاذية التي تملكها تواصل وتواجه التحديات بروح لا تهن لأنها تعشق العمل كقيمة بغض النظر عن المكسب المادي. بداية إنسانية رائعة فيلم الافتتاح الفرنسي "بكل قوتنا De toute nos force" عمل بديع. قوي ومؤثر بطله شاب صغير في السابعة عشرة قعيد علي مقعد متحرك يسير انه معاق هذا صحيح ولكنه نموذج للإرادة النافذة وتجسيد حي ومقنع للممثل المصري "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة" مقولة الزعيم مصطفي كامل علي ما اذكر. "جوليان" وهذا اسمه من اسرة متوسطة حظي برعاية أمه وحبها ولتشجيع شقيقته وايمانها بقدرته رغم الإعاقة أهمله والده يأسا من شفائه.. ولكن "جوليان" نفسه لم يعرف اليأس استطاع بالإرادة أن يشحن والده من جديد وأن يوقظ عنده مشاعر التحدي وعطف الأبوة وذلك عندما أصر علي الاشتراك في مسابقة "الرجل الحديدي" التي تنظمها مدينة نيس الفرنسية علي البحر المتوسط وهي مسابقة يشارك فيها العشرات وتتطلب لياقة ومهارة في رياضات السباحة والجري وركوب الدراجات وحتي يحقق الأب أمنية ابنه الذي يأمل أن يكون رفيقا لوالده في هذه المسابقة الأمر الذي يستدعي قدرته علي التحمل وتحدياً نظرا للأخطار التي سوف يواجهها الاثنان عندما يشاركان كشخص واحد.. وبعد كفاح وجهد جهيد من قبل الأب والابن فضلا عن تدريب متواصل في البحر والبر يفوز الاثنان ضمن الفائزين ومعهما تفوز الأسرة الصغيرة بنجاح غير مسبوق.. أعني الأم التي تحملت بحب رعاية ابنها والشقيقة التي لم تتوقف عن تشجيعه.. الجميع يفوز بالحب والإرادة والايمان. صفات تصنع المعجزات. الفيلم عمل فني نموذجي متكامل يطرح موضوع الإعاقة بقدر كبير من الصدق والمتانة الفنية لا توجد ثغرة في بنائه ولا لحظة ملل أثناء متابعته بالإضافة إلي شحنات من الفرح مع كل انتصار يتحقق في البحر أثناء العوم وعلي الطريق السريع أثناء الجري وعلي الدراجة التي تتسع لاثنين الأب الابن. أيضا رسم الشخصيات والأداء العالي المقنع لكل واحد فيهم خصوصا البطل "جوليان" وبهذه البداية القوية للمهرجان التي تمنح الأمل وبهذا التنظيم المشرف يحق لوزير الثقافة أن يتفاءل ولأمين المجلس الأعلي للثقافة الدكتور محمد عفيفي أن يبتهج.