وجاء اليوم الذي أصبحت فيه مجانية التعليم مهددة.. وأصبح علي كل صاحب ضمير أن يقف في وجه هذا التهديد.. دفاعاً عن الحق في التعليم المجاني. الذي كان أحد أهم مكاسب ثورة يوليو 1952. وأكده الدستور الذي ينص علي الحق الكامل في التعليم المجاني لكل المواطنين. التهديد جاء واضحاً جلياً في حديث الدكتور رئيس المجلس الاستشاري العلمي بالرئاسة لصحيفة "المصري اليوم" المنشور السبت الماضي. والذي قال فيه بكل صراحة: إن التعليم الجامعي لن يكون حقاً. وإنما سيكون منحة وهدية من الدولة.. وأن النجاح بنسبة 75% علي الأقل سيكون شرطاً للحصول علي هذه "المنحة المجانية".. أما مَن يحصل علي درجات أقل. فسيدفع نسبة من التكاليف.. والطلاب الذين يرسبون لا يحق لهم الاستمرار في الحصول علي المنحة. معني هذا الكلام أن التعليم "المجاني" لن يكون حقاً للجميع.. وإنما سيكون "منحة" للمتفوقين فقط.. وهم بالطبع النسبة الأقل بين الطلاب.. أما الأغلبية الكاسحة ممن ينجحون بأقل من 75%. أو يرسبون لأي سبب. فهؤلاء سوف يتحملون نسبة من تكاليف تعليمهم. أو التكاليف كاملة. وفق ما تقدره الحكومة.. ومن يملك المنح. يملك المنع. هذه الرؤية الخطيرة تعيدنا في الواقع إلي ما قبل ..1952 فالتعليم الجامعي "المجاني" لن يكون حقاً من حقوق المواطنة كالماء والهواء.. ولا عزاء للدكتور "طه حسين" صاحب المقولة الشهيرة.. وإنما سيكون التعليم حصرياً للمتفوقين والقادرين.. وهذا سيؤدي إلي خروج أعداد من طلاب الجامعات إلي الشوارع مشردين.. وإذا كان حملة الشهادات العليا الآن لا يجدون عملاً. ويبيعون الخضار والفاكهة علي العربيات بالشوارع. فإن هؤلاء المشردين الذين لم يقدروا علي دفع تكاليف تعليمهم سيكونون عاطلين بالضرورة.. والعاطلون كما نعرف قنابل موقوتة داخل المجتمع. والكلام الذي يقوله الدكتور رئيس المجلس الاستشاري اليوم لتبرير انسحاب الدولة من مسئوليتها تجاه التعليم المجاني للمواطنين هو نفس الكلام الذي سمعناه كثيراً من قبل لتبرير انسحاب الدولة من مسئوليتها تجاه حماية المواطنين من الممارسات الاحتكارية. وارتفاع الأسعار وتخفيض الدعم.. فالشعب هو الذي يأخذ حقاً ليس له.. والدولة تدلله.. ومن يحصل علي شيء لابد أن يدفع فاتورته كاملة. يقول في حديثه إن الطالب يعتبر التعليم المجاني حقاً لابد أن يأخذه من الدولة. دون أن يعلم أنه يكلف الدولة مبالغ طائلة.. وسوف نغير مسمي الدعم إلي "منحة" حتي يشعر الطالب بقيمتها.. وهذا ليس إخلالاً بحقه. وإنما نحافظ علي وصول الدعم لمستحقيه.. هدفنا توعية الطالب بأن دولته تعطيه هدايا ومنحاً في التعليم لا تعطيه أي دولة في العالم.. في كل الدول العظمي الطلاب يدفعون أمولا باهظة لكي يتعلموا. و"يمسحوا البلاط" لكي يدخلوا الجامعات.. أعرف أن الحديث عن مجانية التعليم شائك ويثير غضب المصريين. لكن في الحقيقة لابد من اختراق الصمت. لم يكلمنا الرجل عن إصلاح منظومة التعليم الجامعي.. وعلاج الفساد وأوجه القصور في هيئات التدريس. مما يجعل الأستاذ متحكماً في مصير طلابه.. يرفع هذا ويخفض ذلك. دون محاسبة.. ودون أن يؤدي واجباته.. وإنما تحدث عن التكلفة والمال. الضربة الثانية التي كشف عنها ستكون عدم تعيين أوائل الكليات معيدين بحجة أنهم في الخارج لا تعين الجامعات خريجيها لأنهم لا يضيفون شيئاً.. والبديل بالطبع أن يترك تعيين المعيدين للأهواء.. وكأن المطلوب هو التحلل من أي ضوابط وقواعد تضمن تكافؤ الفرص. وتحقيق العدالة.