روي النسائيپقال: سمعت إبراهيم بن أبي عبلة وهو يقول لمن جاء من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر. فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: يا أبا إسماعيل! وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب. وفي رواية: مجاهدة العبد هواه. والقلب محل نظر ربنا سبحانه وتعالي من العبد. فهو مرآة صدقه. ومنبع إخلاصه. ومهبط تجليات الله بالرحمة والرضوان والكمالات والأنوار الإلهية علي عبده المؤمن. وبصلاحه وتقواه يبلغ الإنسان أعلي مراتب الكمال التي أرادها الله سبحانه وتعالي في قوله تعالي "إلا من أتي الله بقلب سليم".. وبصفاء القلب وتعلقه بربه سبحانه وتعالي تسمو روحه وترتقي نفسه وتسلم عقيدته وتزداد رؤيته بصيرة عن الحياة والممات. أما عن الحياة فهو يؤمن أنپكل ما فيها من تصاريف الأقدار إماپنعمپمستوجبة الشكر أو اختبارات وامتحاناتپوابتلاءاتپتستوجب الصبر.. وأما عن الممات فهو يري أن مصير روحه بعد الموت الخلود الدائم. إما إلي جنة أو إلي نار. ونتيجة لانغماس بعض الناس في تقلبات الحياة الدنيا الصاخبة قد تغيب بعض إشراقات الحقيقة عن قلوبهم. وتبدو لهم المادية في أثوابهاپالقشيبةپالتي تبرز للإنسانپزهرةپالحياةپالدنيا وفتنتها. ومن ثم ينسي الإنسان حقيقة روحهپونفسه. علي المؤمن أن يقوي يقينه بربه سبحانه. فإن اليقين إذا تمكن من القلب واستولي عليه صار الغيب المخبوء بالنسبة له كالشهادة الحاضرة. وعند ذلك يكون حاله كحال علي كرم الله وجهه حينما قال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا. وبالمجاهدة والسير إلي الله تعالي ودوام الذكر والفكر يزداد اليقين ويقوي ثبات القلب ورسوخه حتي يصيرپالإيمان فيهپكالطود الشامخ. لا تزلزله الشكوك ولا تزعزعه الأوهام. بل لا يبقي للشك في قلبه نصيب البتة. فالشيطان لا يجرؤ علي الدنو من أهل اليقين. بل يفر منهم. كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: إن الشيطان ليفرق من ظل عمر وما سلك عمر فجًّا إلا سلك الشيطان فجًّا آخر. واليقين هو أصل الإيمان وجميع الخصال الحميدة والمقامات الشريفة والأعمال الصالحة إنما هي ثمرات وفروع له قال لقمان عليه السلام: لا يستطاع العمل إلا باليقين. ولا يعمل العبد إلا بقدر يقينه. ولا يقصر عامل حتي ينقص يقينه ..پوأهل الإيمان ليسوا علي درجة واحدة في تحصيل اليقين بل هم درجات عند ربهم سبحانه فمنهم أصحاب اليمين. وهم أصحاب التصديق الجازم لكنه لا يمنع من ورود الشكوك والهزات عن وجود الشبهات ومنهم درجة المقربين وفيها يستولي الإيمان علي القلب بالكلية. وفي هذه الدرجة يصير الغيب عند أصحابها كالشهادة. ومن أسباب تقوية اليقين : اعط قلبك وسمعك إلي كتاب الله تعالي وسنة الحبيب صلي الله عليه وسلم وعودهما الاستماع الدائم إليهما. وتدبر تلك الآيات التي تحدثك عن عظمة الله وكمالاته وأن الأمر كله بيده .. وانظر إلي الكون والملكوت بعينيپقلبك مع حثه علي الاعتبار والتدبر في ملكوت السماوات والأرض. وما بث الله فيهما من عجائب المصنوعات وبدائع المكونات .. معپالعمل علي مقتضي ما آمنت به ظاهرا وباطنا قال الله تعالي: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا". وباليقين القلبي يصل الإنسان إلي مرحلة التصديق والثقة بضمان الله تعالي. والإقبال بكنه الهمة علي المولي سبحانه وترك كل ما من شأنه أن يشغله عن المولي والرجوع في كل حال إلي الله سبحانه. إن أصحاب اليقين الراسخ والإيمان الثابت قد سمت نفوسهم وارتقت أرواحهم عن أن تكون لهم غاية أو مطلب أو سعي في غير رضا الله سبحانه وتعالي. فهم في دياجر الليل رهبان يتبتلون. وفي ميادين الدنيا فرسان يجاهدون ويكافحون لا يدخلون في الباطل ولا يخرجون من الحق.پيعفون عمن ظلمهم ويصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم لأن نظرهم لله وحده دون سواه. هذه هي بعض معاني الجهاد الأكبر الذي إذا انتصرنا في ميادينه انتصرنا في جميع الميادين. والأمة الإسلامية بحاجة إلي استنهاضپهمم شبابها وتفجير الطاقات الروحية الهائلة الكامنة في نفوسهم حتي يكونوا صناع حضارة لا معاول هدم.