في ظل انتشار وتنامي الدعوات بضرورة الاهتمام الحقيقي بتجديد وتطوير الخطاب الديني والاهتمام برعاية الشباب وتوعيتم وغرس الثقافة والمباديء الإسلامية السمحاء وتعميق الانتماء في النفوس لابعادهم عن مخاطر التطرف والأفكار المغلوطة الهدامة التي تقودهم إلي طريق الظلام والوقوع في براثن عصابات الإرهاب.. فإن القضية تحتاج إلي تبني مشروع متكامل يحفز الشباب من جميع الأعمار علي المشاركة والتفاعل الإيجابي. تحضرني تجربة دبي في احتواء الأجيال الشابة من أبناء الامارات والمقيمين علي أرضها بإقامة العديد من الأنشطة والفاعليات الدينية والثقافية طوال العام والتي تهدف إلي تنمية الأجيال الجديدة عقلاً وروحاً ولعل جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم خير دليل ونموذج قدمته دبي للعالم ولصورة الإسلام السمحاء فعلي مدي 18 عاماً هي عمر الجائزة التي تشهد في كل عام تقدماً في اجتذاب الكثير من أبناء الامارات بل وشباب المسلمين في معظم الدول العربية والأفريقية والأوروبية خلال زيارتي مؤخراً للامارات التقيت المستشار إبراهيم بوملحة رئيس اللجنة المنظمة للجائزة والذي لا يألو جهداً وفكراً في مواصلة طريق النجاح الذي تحقق خلال الأعوام الماضية إيماناً منه بأهمية التحفيز علي العلم والفهم والحوار والتسامح وتعميق هذه المباديء في نفوس النشء. اخبرني أن ترسيخ قيم ومفاهيم وتعاليم الدين لا تقوم به المؤسسات التعليمية فقط بل تتضافر جميع جهود المعنيين بالدولة في تحقيق ذلك الهدف لخلق حالة من الوفاق الفكري. من هنا لم تقتصر فاعليات جائزة القرآن الكريم علي فترة زمنية محددة من العام بل امتدت لتشمل أيام السنة بأكملها عبر سلسلة من الأنشطة والبرامج المتنوعة من المحاضرات والندوات والملتقيات ورعاية كل ما من شأنه نشر الثقافة الإسلامية. ويشارك في كل هذا الزخم نخبة من العلماء والمفكرين ورجال الدين لابراز الوجه الإسلامي السمح لإيمانهم بأن قيام نهضة معرفية وعلمية وحضارية دون الارتكاز إلي ثروة روحية واخلاقية تؤسس لمجتمعات مستقرة آمنة فالإصلاح الديني لابد وأن يقوم علي احترام العقل ونبذ العنف والتعصب والكراهية هناك أيضا تواصل مستمر وتعاون جاد مع جميع المؤسسات المعنية بعلوم القرآن في جميع الدول العربية والإسلامية إيماناً بأهمية التنسيق وبناء جسور من التواصل واحياء ثقافة الحوار وإعلاء الفكر المستنير في مواجهة الظلامية. الجائزة برعايتها للمواهب وتأهليها بالشكل الصحيح وارسائها لكل القيم الإنسانية والأخلاقية واحيائها للمبادرات الهادفة الجادة نجحت في الاسهام بالابداعات والعطاءات التي تنعكس بالخير علي الوطن وامتد أيضا تأثيرها الايجابي خارج الحدود بمشاركات واسعة من الشباب خلقت حالة من التنافس والرقي في اظهار صورة الإسلام الحقيقية. وهكذا يمضي جميع العاملين في تلك المؤسسة الدينية وفق رؤية وطنية صادقة تؤدي رسالتها لتنوير الفكر وغرس القيم والاخلاقيات الأصيلة. تحية لفريق العمل الطموح المتناغم الذي يمتلك القدرة والطاقة الخلاقة والضمير اليقظ فهم يتخذون من الماضي والحاضر ركيزة للانطلاق نحو مستقبل مفعم بالأمل ويدركون قيمة الوقت ويحسنون استثماره وإدارته ويدركون أيضا حجم التحديات المحيطة بالمنطقة ويتحملون المسئولية الملقاة علي عاتقهم بأمانة وصبر فالحلم والهدف واحد هو بناء الإنسان وتعميق الانتماء بالثوابت والجذور لتخريج أجيال واعية متسلحة بمباديء الدين وقادرة علي العبور إلي المستقبل بنجاح وثقة ليتجدد الأمل في نفوسنا أن يعود لامتنا العربية والإسلامية تاريخها العريق ومكانتها الرائدة.