خريطة العنف في مصر واضحة. فالمناطق التي تستوطنها الجماعات التكفيرية من الإخوان وغيرهم يغلب عليها العشوائية والفقر والزحام وغياب الخدمات من تعليم وصحة ومياه نظيفة وصرف صحي ومن ثم تصبح بيئة خصبة للفكر المتطرف والإرهاب الذي يعادي الحياة ويضاد الدين الحنيف. تتصدر المطرية وحلوان "في القاهرة" وناهيا وكرداسة في الجيزة. ومحافظات بني سويف والفيوم في الصعيد والشرقية والدقهلية في الوجه البحري.. وأخيرًا تتصدر سيناء مصر كلها في احتضان عناصر القتل والدمار ممن يسمون أنفسهم جهاديين. خبراء السياسة والاستراتيجية أكدوا أن هذه المناطق معروفة منذ سنوات باحتضانها لخلايا تكفيرية.. لكن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي ولابد من استراتيجية شاملة يشارك فيها رجال الدين والثقافة والفكر لتصحيح مفاهيم دينية وثقافية مغلوطة وقطع الطريق علي هذه الأفكار وإزالة أسباب الاحتقان والتطرف. يقول د. ناجح إبراهيم القيادي السابق في الجماعة الإسلامية إن كرداسة بؤرة للتنظيمات الجهادية التي برزت منذ السبعينيات واتخذتها منطلقًا لنشاطها. أضاف إن حلوان مركز ثقل للمجموعات التكفيرية شديدة الخطورة وذلك لأنها من أسوأ المناطق العشوائية في مصر. مما ساعد علي نشر هذا الفكر التكفيري بها. فالخدمات غائبة عنها. فلا صحة ولا تعليم بل عشوائيات غير آدمية. ولا وجود للدعوة الصحيحة التي تحارب الفكر المتطرف وهذا كله جعل من حلوان منطقة حاضنة لتلك الجماعات. أوضح د. ناجح إبراهيم أن المطرية أيضًا تحوي كثيرًا من جماعات التكفير منذ فترة طويلة. ومنها خرج تنظيم أجناد مصر الذي يقف وراء التفجيرات الأخيرة.. ولا يقتصر الأمر علي هذه المناطق فهناك مناطق أخري تنشط بها هذه الجماعات الراديكالية التي تتبني العنف مثل بني سويف والفيوم والشرقية والمنصورة. وفي الجيزة مناطق كرداسة وناهيا وفيصل والمناطق العشوائية المتاخمة لها. يشير د. ناجح إلي أن هذه المناطق بها كثير من الدعاة التكفيريين الذين يدعون لتكفير الحاكم والجيش والشرطة والبرلمان وإهدار دمائهم جميعا ويعتبرون كل من يطالب بالديمقراطية أو يمارسها كافرا. أكد أن هذه الجماعات كانت نائمة أثناء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك وكان الفكر الجهادي موجودا لكن أتباعه لا يقومون بأي أعمال مسلحة ولهذا لم يلاحقها الأمن ثم تجمعت هذه الجماعات وتوحدت بعد ثورة يناير وانضم إليها أفراد من جماعة "حازمون" وذهب بعضهم إلي سوريا لتلقي التدريبات وعادوا منها ثم ذهب بعضهم لسيناء التي تدربوا فيها علي فنون القتال ثم تسللوا إلي داخل المناطق السكانية وأصبحوا يمارسون العنف المسلح والتفجيرات وهو ما نشهده حاليا ومع زيادة المطاردات الأمنية قتل كثير منهم وضبط عدد آخر وتم اكتشاف الكثير من أفراد المجموعات ولكن المشكلة في دخول مجموعات جديدة بنفس أفكارهم ويمارسون نفس أعمالهم لأن فكرهم من إناء واحد هو التكفير والقتل ولابد من تتبعهم وإعطاء الفرصة للدعاة المعتدلين المؤثرين لمنع تسرب هذه الأفكار لمعتنقين جدد من الشباب. ** أكد د. أحمد عزالدين "خبير في الشئون الاستراتيجية" ان البؤر الإرهابية أو المتطرفة متمركزة في ثلاثة أماكن هي حلوان والمطرية وكرداسة وإذا عدنا إلي نتائج الانتخابات الرئاسية 2012 سنجد التصويت في هذه المناطق جري لصالح مرسي باكتساح وكذلك المحافظات فأحزمة الفقر والمناطق العشوائية والأقل تعليما هي التي تستخدمها جماعة الإخوان والحركات الإسلامية المتطرفة كأدوات يحركونها كما يريدون مستغلين الاحتقان الاجتماعي الموجود بين أهالي هذه المناطق لتحريضهم ضد الدولة واستعدائهم عليها. ** أحمد بان "كاتب وباحث متخصص في الحركات الإسلامية" أكد أن المناطق المصدرة للعنف هي في الأساس عشوائية وأماكن لتجمع كثير من أهالينا من الصعيد ومعظم حركات العنف في السبعينيات والثمانينيات انطلقت منها كما أن العائدين من الخليج بالفكر الوهابي من أهالي هذه المناطق. أشار إلي أن علاج هذه الظاهرة متشعب ولا يمكن اختصاره في المواجهة الأمنية فالجهات الأمنية يمكن أن تحد من الخطر بشكل جزئي لكن تلك المواجهة وحدها تعيد إنتاج نوعيات أكثر خطرا لذلك فإن الأمر يحتاج لخطة لإزالة أسباب الاحتقان وخلق حالة من العدالة الانتقالية من أجل تهيئة الأجواء ومحاصرة هذا الفكر المتطرف. ** سامح عيد "الباحث في شئون الحركات الإسلامية" يري أنه علي مدار تاريخ الحركات الإسلامية في العقود الأربعة الماضية كان تركيزها علي الطبقة المتوسطة التي يشعر الفرد فيها بأنه غير آمن علي مستقبله وأن المجتمع تخلي عنه فتوفر هذه الجماعات درجة من الحماية والخدمات التعليمية والصحية وهذا لا يعني أن الطبقات الغنية لم يصل إليها هذا الفكر المنحرف لكن بقدر محدود. أشار عيد إلي أن هناك بعدا آخر وراء تفاقم هذا الفكر وزيادة حدة العنف في هذه المناطق وهو وجود "حالة ثأرية" أكثر منها حالة أيديولوجية. فمعظم الاحتقانات ومشاعر الغضب التي تخرج من هذه المناطق سببها فقد أحد الأصدقاء أو الأقارب أو الأهل. ومن ثم يتولد نوع من الغضب والثأر وإذا راجعنا أرقام المصابين والقتلي نجدهم من سكان هذه المناطق الأكثر اشتعالا ومن ثم فليس مقبولا أن نترك تلك الحالة الثأرية تتصدي لها الجهات الأمنية وحدها بل لابد من إيجاد استراتيجية عامة لحل هذا الصراع فالدماء تولد دماء إذا لم يتم علاجها. أوضح عيد ان ما جري في الذكري الرابعة للثورة أعطي صورة سلبية للمستثمرين في الخارج قبيل انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مارس المقبل ولذلك يجب تدارك هذا المشهد بسرعة حرصا علي دوران عجلة الإنتاج. أكد د. محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية: ان هذه الجماعات دائما ما تسكن بالأماكن الشعبية والعشوائية لسهولة التنكر بين السكان ولسهولة التأثير في الشباب وعمل غسيل مخ لهم بأفكارهم الجهادية والتكفيرية من قبل أشخاص ولا يحسنون فهم الإسلام ولا يعرفون مقاصده في الحياة. ** يضيف د. الشحات ان هذه المناطق أيضا بها مدارس عشوائية تقوم بتعليم الدين الإسلامي علي غير منهج الصحيح ولا يعلم كيفية تعامل الإسلام مع المستجدات والقضايا المجتمعية التي طرأت علي عصرنا الحديث ولذلك يقع كثير من شباب هذه المناطق تحت تأثير أفكارهم المتشددة والمتطرفة ويرسخون في أذهانهم أو عقولهم أنهم لكي يخرجوا من حالة الفقر والجهل التي يعيشون فيها فلابد لهم أن يستخدموا العنف والتطرف من أجل استعادة العدالة ومناهج الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة التي كان عليها السلف الصالح ويلجأون لهذه الوسائل من أجل الانحراف بهؤلاء الشباب لاعتناق أفكارهم. ** يشير د. الشحات أيضا إلي أنهم يغرزون داخل عقول الشباب ضرورة محاربة الحاكم ومن يقومون علي الحكم وضرورة مقاتلتهم مع استباحة تخريب الوطن وحرقه بموجب أن هذا مجتمع كافر..! لأنهم لا يقومون بتطبيق الشريعة ومن ثم فإن قتلهم جائز..! ** ويري د. الجندي ضرورة محاربة هذا الفكر المتشدد وذلك عن طريق الأزهر والكنيسة ومواجهة هذه الأفكار والمعتقدات وتعريفهم بالإسلام الصحيح إسلام الرحمة والسلام ومخاطبة الشباب بتلك المناطق هو أسرع وسيلة وترسيخ فكر الكرامة الإنسانية وحرمة الدماء والقتل. ** يشير أيضا لضرورة حل مشكلات هذه المناطق لأنها تعاني الفقر والمرض والبطالة والاهتمام بتنميتها من خلال الدولة وتضافر جهود المؤسسة الدينية والتعليمية ووزارة الثقافة في سبيل تصحيح هذا الفكر بالإضافة لتعاون الإعلام علي مختلف أشكاله المقروء والمسموع والمرئي.