ربما كان أمل دنقل من أكثر الشعراء حضوراً في ميدان التحرير علي الرغم من رحيله قبل ثمانية وعشرين عاماً من الآن. ويكفي ان نقرأ "الكعكة الحجرية" لندرك مدي حضور هذا الشاعر في ثورة يناير كواحد من الذين بشروا بها ومهدوا لها. أمل دنقل كان حاضراً أيضا وبكثافة في الاحتفالية التي اقامتها هيئة الكتاب وجمعت بين الشعر والنقد.. الاحتفالية أدارها الشاعر المنجي سرحان وشارك فيها من النقاد والشعراء محمد إبراهيم أبوسنة. د.حسين حمودة. محمد سليمان. إيهاب البشبيشي الذي القي قصيدة عمودية من قصائد أمل دنقل بعنوان طفلتي من ديوان "مقتل القمر". وألقي علي منصور قصيدة بعنوان "إنه الجنوبي". تحدث الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبوسنة عن أمل قائلاً: كتب أمل دنقل آخر قصائده وهو علي فراش المرض. وصدر الديوان بعد وفاته بعنوان "أوراق الغرفة رقم 8" وبين فيه قدرته علي مجابهة الآلام والأحداث. وأول مرة قابلته فيها سمعت منه "كلمات سبارتكوس الأخيرة" كنا في رابطة الشعراء ولمحت في وجوه الحاضرين الاعجاب الشديد بأمل دنقل. وكانت هذه الفترة هي موسم الهجرة من الجنوب حيث جاء الأبنودي ويحيي الطاهر عبدالله وعبدالرحيم منصور. وجاء أمل دنقل الذي لفت الأنظار بقامته وصوته وقد عاني أمل معاناة شديدة. أضاف أبوسنة: كانت تلك المرحلة قاتمة ديمقراطياً من ناحية التعبير عن الرأي. وانتقل أمل إلي الاسكندرية ثم الي السويس. وقابلته عندما عاد ولن أنسي هذا اللقاء الذي أسمعني فيه إحدي قصائدي "حين نقدتك". واشتبكنا كثيراً وحضر الكثير من هذه الاشتباكات الأديب نجيب محفوظ. وطلب بعض الأصدقاء إجراء استفتاء بيننا وفاز أمل ب5 أصوات وحصلت أنا علي 4 أصوات. وبدأ محمد سليمان كلامه قائلاً: قابلت مساجين سياسيين في سجن طرة وفوجئت بأنهم يحفظون قصائد لأمل دنقل. مثل "لا تصالح" و"الكعكة الحجرية. موضحاً اذا أمعنا النظر سنجد ان الكعكة الحجرية عندما نقرأها الآن تستحضر كل ما يحدث في ميدان التحرير. وأضاف: استفدت كثيراً منه وهو لم يكن شرساً كما يشاع فقد أراني كيف يعيد الكتابة وكيف يحذف ويختصر وبسبب أمل تراجعت عن إصدار ديواني الأول لأني تشككت في كل قصائدي واكتشفت اني يجب ان اعيد النظر فيها مرة أخري. وتحدث د.حسين حمودة وفي البداية تساءل ما سر احتياجنا المتجدد لشعر أمل دنقل؟ وأجاب: إن هناك ملمحاً واضحاً في شعر أمل دنقل يتمثل في مجموعة من المزاوجات الأولي مزاوجة بين التراث القديم وبين التجريب المعاصر فتنوع شعره تنوعاً كبيراً وكان منه ما هو موصول بالتراث الغربي مثل "كلمات سبارتكوس الأخيرة". وفي مقابل هذا الطريق كان الطريق الثاني الذي أهتم به أمل وهو التجريب والتقنيات التي تشبه المونتاج والشكل الجديد "القصيدة الدائرية". أما المزاوجة الثانية بين الوقائع المرجعية والقضايا الأبدية فقد جمع بين الاهتمام بوقائع مرهونة بسياق زمني معين ومحدد ويظهر ذلك واضحاً في قصائد ما بعد نكسة 1967 "تعليق ما حدث" و"أغنية الكعكة الحجرية" و"لا تصالح". وعلي الطرف الثاني نجد شعره يتأسس علي قضايا أبدية مجاوزة في كل زمان ومكان مثل الحب والكرامة الإنسانية مثل قصائد "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" و"أوراق الغرفة رقم 8". والمزاوجة الثالثة بين المشهد البصري وبين الصوت الغنائي فقصائده علي بساطتها حافلة بمشاهد بصرية خالصة تحول فيها لعين لاقطة وراصدة. كما حفل شعر أمل دنقل بصوت غنائي مشبع بأحكام قيمة وبوح وتأمل وحدة وغضب لأنه في عالم حافل بأشكال متعددة. أما المزاوجة الرابعة فقد جمع بين الشاعر السياسي والشاعر الجمالي. شعر أمل دنقل من هذه الوجهة اجتهاد خاص. قام في قطاع كبير منه علي تجسيد جمالي واتسع لوجود الجهود الإنسانية. وحكي السماح عبدالله حكاية طريفة عندما ذهبت لزيارة أمل دنقل ورؤيته أثناء مرضه وعندما وجده أمامه لم يجرؤ علي مواجهته وتظاهر بأنه يبحث عن شخص آخر. وعندما استضافه الشاعر فاروق شوشة في برنامجه التليفزيوني "أمسية ثقافية" قرأ قصيدة كتبها من وحي رؤيته لأمل دنقل بعنوان "هل تعرفني". وقال السماح: كتبت في هذه القصيدة كل ما لم يحدث في الزيارة الحقيقية. فعرفته بنفسي وبشعري وأقمت معه جسور الكلام. ذلك الذي تكسر علي حافة فمي فادعيت أنني اخطأت الغرفة.