من الملفت للنظر وتأمل أولي الألباب أن الإيمان لم يذكر في كتاب الله الكريم إلا مقروناً بالعمل. والمقصود بالعمل هو العمل الصالح للفرد والمجتمع. يذكر ذلك القرآن الكريم في سياق يستلفت الأنظار بعبارات سهلة وبسيطة يفهمها العامة والخاصة تخاطب الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها. كما انه ينبه بأنه لا حياة بدون عمل وانه لا مكان للكسالي والمتقاعسين في نظر الإسلام. وان الوقت قيمته ثمينة جداً بالنسبة للذين آمنوا بالله ورسله يستغلونه في أنشطة تدخل السعادة عليهم في الحياة الدنيا وكذلك في الآخرة والآيات التي تشير للعمل وتحث عليه في القرآن الكريم كثيرة ومتنوعة وتستلفت الأنظار وتستلهم الهمم بأدق المعاني وذات مغزي خاص وبأساليب متعددة. من ذلك علي سبيل المثال لا الحصر قوله سبحانه في سورة الكهف: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً". وفي سورة الرعد: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبي لهم وحسن مآب". وفي سورة الزمر يقول الحق تبارك وتعالي: "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب. قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" 9. 10 سورة الزمر. وفي إشارة أخري لذوي العقول والأفكار ان أبسط الأعمال لا تمضي دون أجر "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره". هكذا يكون ميزان العمل في نظر الدين الحنيف وانه مهما يكن حجم العمل فإن قيمته عند رب العالمين كبيرة تنعكس علي الإنسان في الدنيا والآخرة. فهل يخفي علي ذوي العقول والأفهام مدي حجم الذرة ومدي صغر حجمها. كل ذلك لكي يضع أمام هؤلاء قيمة العمل أياً كان قدره وحجمه. إذ ربما تكن الكلمة الطيبة ذات أجر كبير ودافعة للفرد والجماعة في العمل واتقانه. نسوق هذه الأمثلة لإيقاظ ضمائر أولئك الذين استمرأ بعضهم التقاعس والتكاسل وابتليت بهم المجتمعات الإسلامية والعربية. فمن يتأمل مسيرة هاتين الأمتين يجد أن العالم يتقدم من حولهما بينما هؤلاء متخلفون عن ركب العالم المتحضر ومشغولون بأمور لا تساعد علي التقدم رغم ان عمل الآباء والأجداد حضارتهم كانت ملء السمع والبصر واغترف منها الشرق والغرب ولاتزال ماثلة أمام الجميع. وللأسف الشديد ان هناك الكثير من الهيئات والمصالح والمصانع تعاني من تدني العمل لدي كثير من العاملين رغم ان بعضهم يتقاضي مبالغ كبيرة. كل همهم الحصول علي الأموال دون أي عمل أو جهد. والويل كل الويل لو وجدوا أي مبلغ تم اقتطاعه من الأجر فهل ضاعت قيمة العمل لدي هؤلاء رغم ان أبسط الأمثلة الشعبية التي توارثناها عن الآباء والأجداد من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل يبدو أن ما جاء في آيات القرآن الكريم وهذا المثل الشعبي البسيط قد غاب عن نظر هؤلاء. كما غاب عنهم قول الرسول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لابنته فاطمة: "يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا" وها هو الرسول يقبل يد رجل لمس فيه خشونة عند مصافحته وقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله" وقد حث علي العمل في أحاديث وأقوال كثيرة وان رب العالمين يغفر ذنوب عبد أمسي كالاً من عمل يده. ولا شك انه لا مستقبل لأية جهة أو هيئة أو مصلحة بدون العمل وبذل أقصي الجهد وان العالم المتحضر لا يعرف الكسالي والمتقاعسين الذين يحصلون علي الأجور بلا مقابل. فهل يستيقظ أبناء العالم العربي والإسلامي من سباتهم؟ أم ان الحصول علي الأجر بلا مقابل سيظل هو الأسلوب الأفضل ليت الجميع يفيق من هذا السبات!!