من الذين ترسخ الإيمان في قلوبهم منذ النطق بالشهادتين بلال بن رباح وكنيته أبو عبدالكريم. ورغم أنه من الموالي حيث كان يباع ويشتري إلا أنه كان من أشد الناس تمسكاً بعقيدته ولم يفت في عضده أي لون من ألوان التعذيب. فقد كان أبو جهل يطرحه علي وجهه في الشمس ويضع الرحا عليه حتي تصهره الشمس. ثم يقول بتشف: اكفر بمحمد. فيأتيه في كلمة واحدة هي أحد أحد وحينما مر عليه ورقة بن نوفل أثناء عملية التعذيب وهو يردد أحد أحد قال ورقة: والله لئن مت علي ذلك يا بلال لاتخذن قبرك حناناً أي مظلة من رحمة الله فامسح به تبركاً. بلال بن رباح كان من بين الأوائل الذي أظهر الإسلام بمكة. فقد وهب نفسه لدعوة الحق ولم يؤثر فيه أي شيء يناله فهؤلاء الذين امتلكوه كعبد قد كتفوه وجعلوا في رقبته حبلاً من ليف ودفعوه لصبيانهم فجعلوا يلعبون به بين جبلي أم القري. ومن السخرية أن هؤلاء الأطفال عندما يملون اللعب ببلال يتركونه يرزح تحت وطأة هذا التكتيف. لكن شاءت إرادة الله أن يمن علي هذا الرجل المؤمن بفك أسره يتقدم أبو بكر لشرائه ودفع نحو تسع أواق من العملات التي كانوا يتعاملون بها في تلك العصور ثم اعتقه لوجه الله عز وجل وقد تم الشراء أثناء وجود بلال تحت وطأة التعذيب. وبعد أن أصبح بلال حراً طليقاً اختاره رسول الله صلي الله عليه وسلم ليصدح بالأذان من فوق الكعبة وليطرب وجدانه بترديد كلمات الأذان. الله أكبر. الله أكبر. وكذلك أقر الأذان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. وقد ظل يؤذن للرسول في حياته سفراً وإقامة. وهو أول مؤذن في الإسلام وكفي بها شرفاً وليسعد فؤاده ب "لا إله إلا الله" وحينما أراد أحد أن ينازعه ويتولي مهمة الأذان رفض رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: دع بلالاً فإنه أندي منك صوتاً. وحينما هاجر إلي المدينةالمنورة آخي الرسول صلي الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح. ومن المفارقات في حياة بلال مؤذن الرسول أنه أثناء وقوعه تحت لهيب التعذيب وشدة القهر قال له الرسول صلي الله عليه وسلم : يا بلال إن الله قال في القرآن الكريم: "إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان" في إشارة لكي يجاري بلال عتاة التعذيب حين يطلبون منه الكفر بدعوة الحق طالما أن قلبه مطمئن بالإيمان وأن هذا الإكراه لايؤثر بأي صورة من الصور في إيمانه وثباته. لكن بلال يرد في قوة يقين: يارسول الله.. والذي بعثك بالحق رسولاً لن أتراجع عن أحد. طالما أن نورها قد امتلك كل كياني وسعد بها صدري. ومهما فعلوا فسوف ازداد إصراراً وعناداً. حقيقة أنه نموذج وقدوة للمؤمن الصابر. وقد نزل بلال مع أخيه أبو رويحة في قرية من قري دمشق وتزوج هناك. لكن شاءت الأقدار أن يري بلال رسول الله في المنام وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورنا. فانتبه من نومه حزيناً وركب علي الفور وتوجه إلي المدينة فأتي قبر الرسول صلي الله عليه وسلم وأخذ يبكي عنده. وفي هذه اللحظات أقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويحتضنهما فقالا له: نشتهي أن تؤذن فاعتلي صحن المسجد فلما قال الله أكبر. الله أكبر. ارتجت المدينة فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله زادت رجتها. فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله خرج النساء من بيوتهن فما رئي يوم أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم. رحم الله بلال بقدر ما أعطي فهو المرافق لرسول الله في سفره وغزواته لم يتخلف عن أي مشهد.