صندوق الانتخابات لا يأتي بالأصلح أي بالأكفأ والأكثر أمانة دائماً لأن الكثيرين لا يلتزمون بمعياري الكفاءة والأمانة كأساس للاختيار ومن ثم تصبح النتائج التي يسفر عنها صندوق الانتخابات غالباً انعكاسا طبيعيا لمدي قدرة هذا المرشح أو ذاك علي التأثير في الناخبين بأي طريقة كانت مشروعة أو غير مشروعة. هذه حقيقة يعترف بها الجميع حتي في أعرق الدول الديمقراطية وتعرف في نطاق العلوم السياسية ب "أخطاء الديمقراطية" ولذلك اتفق الجميع أيضاً علي أن تكون الانتخابات لأي منصب "دورية" أي تتكرر كل فترة حتي يتاح للناخبين فرص متعددة لتصحيح اختياراتهم وعليه فلا خوف أبداً من الالتزام بنتائج صندوق الانتخابات طالما ان فرصة التصحيح آتية لا ريب فيها. ربما كانت هذه المقدمة ضرورية جداً لطمأنة الشعب المصري علي مستقبل مصر بعدما بات القطاع الأعرض منه قلقاً وربما مذعوراً من الجدل الدائر الآن حول هذا المستقبل وسط تخوفات كثيرة من نتائج الالتزام بما أسفرت عنه نتائج الاستفتاء الذي أجري علي التعديلات الدستورية في مارس الماضي ومنها إجراء انتخابات برلمانية ثم رئاسية قبل وضع الدستور تحسبا لسيطرة تيار ما علي أغلبية مقاعد البرلمان وبالتالي علي اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد. فبفرض ان ذلك قد حدث وجاء الدستور متوافقاً مع رؤية هذا التيار ذي الأغلبية البرلمانية التي تعني تمتعه بأغلبية جماهيرية أياً كانت الوسائل المستخدمة للتأثير عليها طالما لا تخالف القانون. ألا يكون الدستور في هذه الحالة معبراً عن رأي هذه الأغلبية الجماهيرية؟ ثم ان هذه الجماهير اقتنعت فيما بعد بأنها أخطأت في اختياراتها ومن ثم جاء الدستور بما لا يعكس رؤيتها التصحيحية للمستقبل. أليس بوسع هذه الجماهير في أول انتخابات برلمانية تالية ان تغير اختياراتها وتأتي بأغلبية تعدل أو حتي تغير هذا الدستور القابل دائماً للتعديل والتغيير باعتباره نصاً بشرياً لا قداسة له بالمطلق كما يتصور البعض؟ انها فرصة لاختبار هؤلاء المتخوف منهم فإما أن يكونوا علي قدر المسئولية وإما يفتضحوا أمام العالمين ويسقطوا ثم لماذا لا تكرس التيارات الأخري جهودها الآن لاثبات جدارتها لتمثيل الشعب وإقناعه بهذا حتي تحرم هذا التيار المشكوك فيه من التمتع بالأغلبية المرهوبة بدلا من "المكلمات" التي يقيمونها داخل الغرف والقاعات أو علي شاشات الفضائيات. أليس الملعب مفتوحاً علي مصراعيه. أم أن هذه التيارات التي لا تجيد سوي الكلام عاجزة عن النزول للملعب فلا تملك إلا أن تقيد الآخرين بحبال عجزها وضجيجها الذي لا يغني ولا يسمن من جوع؟!