عودة مصر الي محيطها الأفريقي. تطرح قضية ترجمة الأدب العربي الي القاريء الأفريقي. وترجمة الآداب الأفريقية الي القاريء العربي. وللأسف. فإن نظرتنا الي الآداب العالمية حتي الآن تكاد تقتصر علي الآداب المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية. ويكتبها أدباء ينتمون الي أوروبا والولايات المتحدة. وهو منطق مغلوط. لأن العالمية تتحقق بقدر ما تتضمنه من أبعاد إنسانية. تنطلق من محلية المكان والزمان. يمثل الأدب الأفريقي في رأي الناقد شوقي بدر يوسف أيقونة مهمة في ساحة الأدب العالمي لما له من سمات خاصة وأبعاد فرانكفونية في هويته الخاصة حيث يكتب عدد كبير من أدباء أفريقيا باللغتين الفرنسية والإنجليزية. وقد عاشت أفريقيا وهي خمس مساحة اليابسة تقريباً حياة مريرة طوال تاريخها. وظهر أدبها أول ما ظهر علي يد غير الأفريقيين قبل أن يتمكن أبناؤها من رسم أدب القارة بانفعالاتهم وأقلامهم. وقد ظهرت أقلام كثيرة في أفريقيا تواصلت مع الوطن العربي في ابداعها. وحصل بعضهم علي جوائز كثيرة أبرزها نوبل التي حصل عليها وول سوينكا ونجيب محفوظ وكوتزي وجورديمر. وتواصل الأدب الأفريقي والأدب العربي ربما يكون منطقة رمادية مضمرة في شكلها وسماتها. إلا أن الأدب الأفريقي يصل الي المشهد العربي عن طريق الترجمة من الإنجليزية والفرنسية.. أما الأدب العربي فهو بعيد كل البعد عن الوصول الي ساحة الدول الأفريقية إلا من الدول التي تتحدث العربية. ولازالت العنصرية متوطنة في مضامين الأدب الأفريقي.. ويحاول الكثير من أدباء القارة التمرد علي هذا الجانب وفرض أدب أفريقي يمثل القارة والبيئة والإنسان الأفريقي الحر.. وثمة من اهتم بالأدب الأفريقي مثل الأخوين علي وعبدالرحمن شلش وعبدالعزيز صادق وغيرهم من الأدباء العرب.. ولازال هناك الكثير من الأدب الأفريقي لم يصل الي ساحة المشهد العربي الي الآن. والعكس صحيح فالأدب العربي ووصوله الي القاريء الأفريقي يحتاج طفرة كبيرة من الترجمة والدعاية له في ساحة القاريء الأفريقي الذي يصل الي الأدب العالمي بسرعة أشد مما يصله الأدب العربي. ويشير الأديب الكبير يوسف الشاروني الي أننا ترجمنا كل من حصل علي جائزة نوبل من الأدباء الأفارقة مثل سوينكا. كما ترجمت مجموعات من القصص الأفريقي. وعلينا ألا ننسي أن الطاهر وطار والطاهر بن جلون والطيب صالح أدباء أفارقة عرب. لكننا لم نترجم للأسف لدول حوض النيل. وإن كنا عرفنا الأدب الصومالي المكتوب بالفرنسية. إن جزءاً كبيراً من الوطن العربي يقع في أفريقيا. وعلينا أن نعترف أن هناك شيئاً من التقصير. لابد من بذل جهود كبيرة في التعرف الي أدب الدول الأفريقية. وعلينا أن نعرف أن الكثير من الدول الأفريقية لم يكن لديها أدب ولا أدباء حتي قبيل رحيل الاستعمار. ترجمنا الأدب النيجيري والجنوب أفريقي. ولكي نعرف الشعوب فإن علينا أن نقرأ آدابها. تلك أحسن الوسائل لمعرفة الشعوب. هل قرأت أفريقيا أدب نجيب محفوظ الحاصل علي جائزة نووبل؟ هل حاولنا أن ننقل أدبه الي اللغات الأفريقية؟ هل تم عقد مناقشات ولقاءات بيننا وبين الأدباء الأفارقة؟.. أسئلة يجب أن نجيب عنها. وفي تقدير الشاعر والروائي السيد الخميسي أن العنوان مشكل: هل يقصد به أدب الدول الواقعة في قارة أفريقيا بوصفها قارة كبيرة يتمتع أهلها بخصائص يشترك فيها جميع أهل القارة. أو نعتبر الأدب الأفريقي أدباً للدول الواقعة جنوبي الصحراء. كما يفضل كثير من الباحثين الأوروبيين. حيث أخرجوا الأدب المكتوب بالعربية من تعريف الأدب الأفريقي. وأنا أميل الي عدم الفصل. فالأدب العربي في شمال القارة تعرض لما تعرض له الأدب في باقي أرجائها. فنجد في الشمال الأفريقي ابداعاً باللغة العربية. وابداعاً بالفرنسية. وهنا تقابلنا اشكالية كبيرة اذا عرفنا أن اللغة ليست مجرد وعاء للفكر. إنما هي الفكر ذاته. كيف ننظر لأدب مكتوب بالفرنسية. بوصفه أدباً منتمياً لثقافة أخري. العربية أو الزنجية. ونحن نعرف صدمة الحضارة الغربية علي أدباء يكتبون بالعربية لمجرد أنهم عاشوا فترة. طالت أم قصرت. في الحضارة الغربية. طه حسين والحكيم والطيب صالح وسهيل إدريس وسليمان فياض وغيرهم. المسألة في الأدب الأفريقي جنوبي الصحراء أكثر تعقيداً. فاللغات الأبجدية قليلة. الي جانب الأمية السائدة. وكثير من اللغات شفاهية. علي عكس كتاب ما فوق الصحراء الأفريقية. تبادل الخبرات ويري د.صابر عبدالدايم أنه يجب أن تكون هناك علاقات بين الأقطار العربية والأفريقية. هناك علاقات ثقافية بمعني تبادل الخبرات بين الأدباء. ويجب أن يكون للسفارات دور مهم. ليس فقط سياسياً. بل ثقافياً وأدبياً وشعبياً. لابد من تبادل المطبوعات. وكان لابد أن ننتبه الي دول حوض النيل. وترجمة آدابها لمعرفة هذه الشعوب. فهي الامتداد القوي والاستراتيجي لمصر. لابد من ترجمة الأدب الأفريقي للعربية. وهو جانب غير موجود.. هناك معهد الدراسات الأفريقية. نحن لا نعرف ما يقوم به من أنشطة. بالطبع هناك دور له. لكننا للأسف لا نشعر به.. لابد من القاء الضوء عليه. ووضع كافة الامكانات الأدبية والمادية ليؤدي رسالته. أعتقد أنه قد آن الأوان لنلقي هذا السؤال. فالأدب العربي في أفريقيا غير موجود. لأن الترجمة من العربية للغات الأفريقية ضئيلاً جداً. ولا نكاد نجدها سوي في كلية الألسن. ويذهب القاص والناقد محمد عطية الي أن جزءاً من الأدب العربي هو أدب أفريقي. فشمال أفريقيا تقع في نطاق الوطن العربي. لكن هناك علاقات بين العرب وأفريقيا. ثم تأثير وتأثر بين الحضارات في الوطن العربي وأفريقيا. بالإضافة الي العادات والعلاقات الاقتصادية والإنسانية.. كل ذلك يصب في وعاء الأدب. سواء كان الكتاب أفارقة أم كتاباً أفارقة يتحدثون العربية وأعتقد أنه كان في ستينيات القرن الفائت حركة نشطة لترجمة الأدب الأفريقي. وهذا ناتج عن العلاقات التي توطدت بين مصر والدول الأفريقية. لقد لعبت السياسة دوراً في تنشيط حركة الأدب والترجمة بين الطرفين. نرجو أن يتم ذلك في الفترة المقبلة. بعد أن بدأ الاهتمام بإعادة العلاقات بين مصر والدول الأفريقية.