من أجمل ما قرأت هذا الأسبوع كتاب بعنوان "تراجم الأوائل والخلفاء- الأعلام الصغري" لخير الدين الزركلي بكسر الزاي والراء". من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب وراجعه وقدم له د. محمد سالمان للقارئ للمرة الأولي . والزركلي من قبيلة كردية والده وأمه دمشقيان كان مولعا بالأدب واللغة ودرس العروض والمعاني والبيان والفقه والتوحيد ومال إلي التاريخ فقرأ جانبا من تاريخ الإسلام والتاريخ العام وكان دبلوماسياً وشاعرا وصحفيا وناشرا أي ذات حياة ثرية بالأنشطة والعطاء والإنجاز في حقل العلم والأدب. واختار الزركلي أن يبدأ كتابه كما يرصد المراجع بترجمة للنبي صلي الله عليه وسلم. اسمه وحياته وزواجه وغزواته وبعض أقواله. ثم ينتقل إلي تراجم بيت النبوة ويترجم لآباء النبي وأجداده وأولاده الذكور إلي أن يصل إلي الأئمة الإثني عشرية. ثم ينتقل الكتاب إلي تراجم العرب الأوائل وملوك الجاهلية حمير وسبأ والنعمان بن المنذر وغيرهم ثم تراجم الخلفاء الراشدين ثم خلفاء بني أمية والعباسيين وينتهي بخلفاء المسلمين الأمويين في الأندلس. وتتميز هذه التراجم بأن بعضها جاء مفصلا يضم خمس ورقات وبعضها الآخر لا يتعدي نصف الصفحة. وعدد التراجم كاملة لا يزيد علي 150 ترجمة. والمتواصل مع الكتاب يدرك حجم الجهد المبذول وكيف خرج صغيرا حجما كبيرا مقاما كثيرا علما . فهو بحق موسوعة أدبية به الأنساب والشعراء والحكم والتاريخ والمعارك والفتوحات والأقوال والنوادر. ويضم نسخة خطية واحدة اجتهد المراجع لضبطها ولم يتدخل في النص إلا نادرا ووضعه بين معقوفتين لنتبين أن ما بينهما ليس للزركلي ويشير المراجع إلي أن المؤلف بدأ كتابه بطموحات وآمال عريضة ثم عدل عنها وربما وجد في كتابه "الأعلام" غني عنها فتوقف عند هذا الحد. وما يلفت النظر في هذا الكتاب أنه علي قدر ما فيه من جهد من جانب المؤلف الزركلي الذي جمع بين دفتيه الكثير من السير والتراجم التاريخية الهامة يأتي جهد مماثل في التحقيق والتقديم للكتاب من جانب المراجع د. محمد سالمان الذي أراد له أن يكون إضافة حقيقية لتراث الزركلي الأدبي والثقافي. والذي ذاع صيته وأصاب شهرة عظيمة أصبح بعدها صاحب مدرسة مستقلة في فن التراجم بعد كتابه "الأعلام" الذي يعد من أشهر كتب التراجم وأنفسها والذي جمع فيه الزركلي أكثر من خمسة عشر ألف ترجمة من العصر الجاهلي. وهذا الكتاب "الأعلام" صنعه الزركلي كلمة كلمة وتعهده بالعناية والتوسعة وسد الثغرات ويسهر الليل ويلحق به النهار بين أكوام الفهارس ومجموعة المصورات والمخطوطات إلي أن استوي علي سوقه. ليقدم لنا في النهاية تحفة فنية وأدبية وعلمية في التاريخ العربي الجاهلي ونموذجاً يقتدي في العمل والممارسة والبذل من أجل العلم. لقد جذبني في الكتاب ذلك الترتيب وتلك الدقة المتناهية وحجم المعلومات التي افتقي أثرها ذلك المجتهد الذي نشأ في دمشق وتعلم في مدارسها الأهلية وأخذ عن علمائها علي الطريقة القديمة. وجاء المراجع ليقدمه في أجمل صورة للقارئ العربي مبرزاً كيف كان أصحاب الأقلام مخلصين قديما للعلم. ويا ليتنا نتعلم منهم.