سمع دوي انفجار كبير هناك عند منطقة المضايق في "رأس العش" بعدها تلبد المكان كله بالدخان الكثيف أمام ملجأ الملازم سميح فريد وعبر التليفون الميداني فجأة تردد صوت قائد الكتيبة التي حزمت كل معداتها وأسرعت منسحبة تجاه الغرب استجابة للأمر المباغت.. كان صوت العقيد عبر أسلاك التليفون الميداني مفزوعاً: من أطلق النيران بفصيلتكم يا سميح؟ ألم تتلقوا الأوامر بعدم الضرب علي العدو؟ "وحتي لا تتهم فصيلة سميح الصغيرة بإطلاق النار.. ارتعش صوت رقيب الإشارة وهو يعطي سماعة التليفون للملازم كي يفسر للقائد سبب الانفجار": لم تطلق فصيلتنا أي نيران يا فندم. إنما كان هذا صوت انفجار للغم أرضي بسبب ملوحة الأرض "وألمحت قسمات سميح التي انكمشت أنه يتلقي توبيخاً قاسياً.. وفي استنكار تساءل رقيب الإشارة الواقف انتباه: لماذا يا حضرة الملازم لا يجب علينا أن نضرب العدو؟ وانفجر سميح: بم سنضربه إذا كانت أسلحة الجيش كلها ضاعت في سيناء؟ لكن ما العمل إذا هاجمنا اليهود؟ ودون أن يجيب نفخ الملازم سميح في يديه المتقرحتين من جراء الأرض السبخة التي تحتلها فصيلته ثم انحني بشدة وهو خارج من "الملجأ" واسدل ستارة من الخيش خلفه.. وراح يراجع إعادة توزيع خدمات الفصيلة علي آخر ضوء للشمس.. فجأة ترنح جندي الحراسة واقفاً علي رأس التبة الرملية مبهوتاً وقد تقطعت أنفاسه: هناك "رتل" من الدبابات عليها نجمة داود يتحرك من الجنوب في اتجاهنا يافندم.. فتعلقت عينا الملازم بساعة معصمه وفي سرعة البرق صرخ: كل واحد في موقعه ولا أحد يتعامل معهم قبل ما أعطيه الإشارة "لتتحول الفصيلة لهزيلة فجأة إلي كتلة مرهفة من الأعصاب والهواجس.. وداخل الحفر الدفاعية الرديئة التي بللتها المياه ضموا أسلحتهم الصغيرة إلي صدورهم بينما جنازير الدبابات الإسرائيلية الفولاذية وأجهزة الرؤية الليلية تتقدم غير عابئة وقبل أن يتوقعوا بدء الالتحام صم آذانهم دوي انفجار رهيب استطاعوا أن يروا في ضوئه اشتعال النار في ملجئهم.. وتتابعت القذائف تنهال علي رؤوسهم ورغم سيل الطلقات والدانات كانوا رابطي الجأش يأتمرون بأمر قائدهم: لا تبدأوا الضرب متي دخلت الدبابات في مدي أسلحتكم الصغيرة. وصاحت صوت جندي ملأه الفزع: هناك دبابة علي اليمين.. ورغم مروق الرصاص فوق الحفر المهتزة إلا أن سميح حاول محاولة مستميتة أن يصوب من خارج الحفرة بعد أن جلس القرفصاء قذيفته "الأربيجيه" فاستقرت في بطن أول دبابة وصلت الموقع فتأججت بها النيران.. في نفس اللحظة إذا دبابة أخري تقتحم الموقع بسرعة هائلة ومن شدة اندفاعها لم تستطع أن تتفادي الدبابة المستعرة فاصطدمت بها في عنف أضاء ليل الموقع وفي نفس اللحظة التي حاولت فيها دبابة ثالثة الهروب تبعها سميح بقذيفة لحقتها من خلفها فأكملت هروبها مشتعلة حتي دوي انفجارها مما جعل باقي المجنزرات الإسرائيلية تلوذ بالفرار.. هنا وقف سميح فرحاً وهو ينزف بغزارة من جرح غائر في رقبته كان يشغب دماً ساخناً فوق "الصليب" الذهبية المتدلية من عنقه.. وحشرج: ما رأيكم فيما فعلت يا أبطال؟ ولما لم يجبه أحد.. تلفت حوله.. لم يكن هناك من أحد في الموقع يبدي إعجابه.