محمد رجب في فيلم "سالم أبو أخته" يجمع الصفات المكونة للشخصيات التي لعبها الممثل محمد فراج في فيلم "القشاش" ومحمد رمضان في "عبده موتة".. ارتدي ذات البدلة الممهورة بنفس التوقيع. "المحمدون الثلاثة" هم المبشرون بمستقبل السينما التجارية في مرحلة ما بعد اللمبي وسلالته وما بعد ثورات الربيع! وفي الفيلم الأخير اضيف إلي صفات "البطل الشعبي" في الزمن الفوضوي الرديء صفة "الأبوة" أصبح البطل أبو أخته راعي شقيقته بعد وفاة والديها. الحنون الذي يحلم بسترتها. في البداية وقبل مشاهدة الفيلم اعتقدت انه يتناول "زنا المحارم" فما معني أبو أخته؟؟ اتضح انه حيلة وطعم من نوع غريب. أهم ما يميز الفيلم هذا الشكل المخل للصراع بين الضحية والجلاد.. الضحية سالم البائع علي أرصفة الشوارع وضابط الشرطة المنحرف "محمد الشقنقيري" العلاقة تبدأ بالانصياع. بالنفاق. ثم السخرية والتجريح والإفيه وتنتهي بالقتل.. معالجة الصراع تعكس روح العلاقة بين الاثنين علاقة "المطارَد" و"المطارِد".. الضحية والجلاد.. وبعد ثورة يناير بدت العلاقات مشوهة جدا مع سيادة الفوضي وتزايد اشكال المطاردة.. صورة ضابط الشرطة الشرير قوية تعبر عن جوهر تفكير ساد بعد ثورة يناير.. في "القشاش" ظهر رجل الشرطة بصورة سوية تنصاع لروح القانون وتتفهم براءة الضحية.. الضحايا في الأفلام الثلاثة "ضحية" المجتمع والثلاثة أبرياء والجريمة لم تولد معهم ولكن المجتمع دفعهم اليها. ومن المؤكد ان صور رجل الشرطة في السينما المصرية تشكل ألبوما كاملا يتماشي مع الفترات الاجتماعية والسياق الذي ظهر فيه الفيلم وحجم المسموح رقابيا في تناول رجل الشرطة. أغنية زلزال في فيلم "سالم أبو أخته" ستجدها علي اسطوانة وعلي اليوتيوب الراقصة الآرمنية صوفينار ومعناها "حورية" ضرورة انتاجية ضمن بضاعة الفيلم باعتباره مشروعاً تجارياً. أيضا أغنية "حلاوة روح" و"علي رمش عيونها" وأغاني الاخوين "الليثي" المطربين الشعبيين بعد الراقصة المصرية دينا تأتي الراقصة الأرمنية التي تتحدث خمس لغات وتتحدث العربية بلكنة لم تفلح الراقصات الروسيات في منافسة دينا ونجحت صوفينار.. الرجال يلتفون حولها كالذباب في كل مرة تذهب لإحياء فرح من أفراح الأثرياء.. انها الأكثر مبيعا هذه الأيام وهي تجتهد حاليا لإجادة اللهجة المصرية الدارجة استعدادا للعمل في السينما والمنافسة تتجاوز حدود الجنسية! وأكثر ما يعكس روح المرحلة في فيلم "سالم أبو أخته" أنماط العلاقات بين طبقة طفيلية جديدة وأعني بالطفيلية طبقة غير منتجة تصارع للبقاء والطفو علي السطح في مجتمع ضاقت السبل فيه أمام العمل المنتج.. وبعد ثورة يناير زادت العلاقات تشويها وبأبعاد تضع الشرطة كعدد أصيل وفي صورة قاسية وغير جديرة بالاحترام.. صورة الشرطي الشريف في فيلم "أبو أخته" باهتة. بينما الصورة الأكثر حضورا في حبكة الفيلم صورة رجل الشرطة مصدر الشرور الذي يمثل سالم بشخصه ويرديه في النهاية قتيلا هو وعشيقته! عبر السيناريست عن جوهر المفهوم السائد بالنسبة للعلاقة التي سادت قبل وبعد الثورة التي اختار مفجروها يوم "عيد الشرطة" موعدا لإعلان الثورة. وفي فيلم "القشاش" يظهر رجل الشرطة "محمد سليمان" بصورة أقرب للسائد صورة سوية ومنطقية تنصاع لروح القانون. عموما حفلت السينما المصرية بعشرات الصور لرجل الشرطة أغلبها صور نمطية تختزله في مجموعة بعينها من الصفات وبعضها يتماشي أو يعكس المرحلة التي ظهر فيها الفيلم مثلما يعكس دور الرقابة في السماح أو عدم السماح بها. ومن المؤكد ان ضباط "رد قلبي" في انتاج ما بعد ثورة 23 يوليه غير ضباط ما بعد ثورة 25 يناير .2011 الصراع المشوه والجائر في العلاقة بين قوي المقهورين والقاهرين أخذت أشكالا فجة ومزرية أخلاقيا وسلوكيا وحتي علي المستوي الديني في وقت سيادة "الحجاب". الانحدار في أشكال العلاقات التي صورها محمد سمير مبروك في أفلامه الثلاثة "عبده موتة والقشاش وسالم أبو أخته" يبدو لافتا جدا في الصراع الرئيسي الذي يمثل العمود الفقري في الدراما.. والذي انكسر الاحساس به بسبب عناصر الترفيه المفروضة لدواعي الشباك. ضابط الشرطة الانتهازي ابن الريف. المتزوج من ابنة الضابط الكبير شخصية مهزأة. خائن كزوج وخائن للقانون يستغله لحسابه ويقهر ويضرب وينصاع للمعلمة عشيقته "ريم البارودي".. الصورة تحتاج إعادة نظر. أيضاً شكل العلاقة بين الضابط والشرطي الأصغر رتبة والذي كان يرتجف من "الباشا" حسب السلم الوظيفي وقوانين الشرطة هذه أيضا أصابها من التشوهات علي الشاشة ما يتجاوز التقليدي والمعتاد في الأفلام السينمائية.. قواعد الاحترام لم تعد كما كانت في اطار فوضي مجتمعية ضاعت فيها هيبة القانون والقائمين علي تنفيذه.. السينما عكست الحالة بصورة مشوهة وشاذة. محمد سمير مبروك في أفلامه يصور أحشاء الفوضي بصورة تخضع لمزاج المخرج وصاحب رأس المال الممول للفيلم وللفوضي مفهوم يخضع لضرورات الاستثمار السوقي البذيء والاستثمار يطول استثمار أوجاع المجتمع من البلطجية. العنف الدموي. الجيش السافر. والطرب الزاعق والرقص الحسي مدغدغ الغريزة والأداء التمثيلي الميلودرامي الفج.. المشاهد الساخنة يتحايل صناعها من أجل ارتفاع سقف المسموح به.. الافيهات اللفظية بإيحاءاتها الجنسية عادة تعريف للفن والزلازل وايقاعات الموسيقي وميكانيكا السيارات.. أغنية "زلزال" ترجمة حسية للفعل الجنسي علي أنغام وايقاعات وصوت المطرب وكلمات المؤلف وجسد الراقصة بمرتفعاته ومنخفضاته. لا شيء يعلو فوق الطرب والإثارة والعنف المادي واللغة الفواحة ب "الإباحة"! الفيلم أو قل أفلام محمد سمير مبروك تخفي في طياتها قضية تدل علي وعيه بعلاقات القوي في المجتمع. وفي فيلمه الأخير يضاعف من أشكال الفوضي كقيمة مقلوبة تحكم هذه العلاقات.. العلاقة الوحيدة التي أبقي عليها سليمة ومتسقة مع تقاليد الأسرة. علاقة سالم بأخته "آيتن عامر" علاقة عاطفية تحكمها النزعة الأبوية والشعور بالمسئولية والحنان المتبادل وهي مشاعر تمتد إلي الفتاة ابنة معلمه القديم بدوافع المسئولية الأدبية.. شخصية الشقيقة مثل معظم الشخصيات البعيدة عن صلب الصراع. شخصيات مسطحة أقصد الأصدقاء زملاء الكار "هشام اسماعيل. ماهر عصام.. إلخ" أيضاً شخصية حورية فرغلي المفزعة من أي قيمة. مجرد تكرار لشخصيتها في "القشاش" وقبولها المتكرر لهذا النمط المسطح والمفرغ من القيمة الفنية سوف ينال كثيرا من قيمتها كممثلة لديها مقومات جيدة وحضور وقبول قوي. ريم البارودي في الفيلم مسخ من شخصية المعلمة التي أدتها نادية الجندي في ظروف موائمة أكثر لهذا النوع من الشخصيات.. سوق باعة الأرصفة الذين هجموا مثل أسراب الجراد علي أرصفة الأحياء في العاصمة ليست فيهم هذا النمط من النساء. اللاتي ظهرن في "الباطنية" و"وكالة البلح".. إلخ. ريم ممثلة جيدة كما بدت في مسلسل "عابد كرمان" ولكن مفرمة الانتاج في استوديوهات تجار الأفلام تلغي الفوارق تتدخل في النصوص تضيف ما تعتقد انه الطعم اللذيذ و"النمر" الجذابة الموحية التي يمكن فصلها وإعادة تعبئتها للبيع القطاعي. محمد الشقنقيري شرير مقنع في دور الضابط المنفلت قانونا. ملامحه طبيعية وتعبيراته مناسبة للشخصية التي لعبها في الفيلم. انه ترجمة دقيقة كما أتصور للانطباع الذي كان سائدا عن الطبيعة العدوانية لرجل الشرطة بالنزعة الانتقامية المتأصلة ضد الخارجين علي القانون بينما هو نفسه نموذج للشر الخالص المستعد للبطش بأشكال القوانين والأعراف جميعا. مخرج الفيلم ملتزم بالضرورات الانتاجية التي يفرضها صاحب المشروع الفيلم ليس بإمكانه في تقديري أن يفرض ما يراه بعيدا عن رؤية المنتج الذي لا يدرك ولا يعترف ربما بالقيم الجمالية للفن ولا بقيمة البناء الدرامي وأهمية التسلسل المقنع في طريقة سرد الأحداث.. فمن الممكن أن يستمر دوران الكاميرا لتصوير "الزلزال" إحدي النمر الراقصة وأن يضرب صانع الفيلم بقواعد الايقاع عرض الحائط وما باليد حيلة. نحن ندرك طبيعة العمل في ظروف بالغة الصعوبة التي تعيشها صناعة الفيلم السينمائي في مصر وندرك القحط في قيم الجمال والأخلاق في العملية الانتاجية ونعرف معني وصول محمد رجب إلي دور البطولة المطلقة حتي يقدم أقصي طاقته الفنية ويوظف امكانياته وخبرته في تقديم شخصية سالم من شتي الزوايا حتي لو وصل الأمر إلي تمثيل "عجين الفلاحة"!! والفيلم نفسه معالجة "سالم أبو أخته" عنوان سخيف لقضية أضاعتها المعالجة التجارية علي طريقة وذوق وماركة السُبكية.