الحفل الذي أقامه المؤلف الموسيقي د. محمد عبدالوهاب عبدالفتاح في المسرح الصغير بعنوان "لقطات موسيقية" من الاحداث الفنية الهامة ليس لأنه يقدم تجارب فنية فريدة فقط تسهم في التطور الموسيقي ولكن لأن ماقدمه في هذا الحفل يأتي من منطلقات اجتماعية ذات أهداف من أهمها الارتقاء بالمتلقي وتربية جيل جديد قادر علي تذوق الموسيقي.. الحفل أقيم بالتعاون مع مدرسة القديس يوسف بالزمالك الذي كان لأبنائها دور بارز في العرض الذي جاء بشكل استعراضي تجمعت فيه عدد من الفنون التي جميعها تم توظيفها من أجل تعميق الفكر الموسيقي. د. محمد عبدالفتاح استاذ التأليف الموسيقي بمعهد الكونسرفتوار حاصل علي بكالوريوس الفنون التطبيقية قسم التصوير السينمائي ثم حصل علي بكالوريوس الصولفيج وايضا بكالوريوس التأليف والنظريات علي يد د. جمال عبدالرحيم ثم أكمل دراساته بالنمسا وحصل علي درجة الدكتوراه ثم سافر في مهمة علمية إلي الولاياتالمتحدة للتدريس كمؤلف مقيم وبروفسير زائر. ود. عبدالوهاب تعرف عليه الجمهور المصري منذ الثمانينات حيث قدم له السيمفوني العديد من مؤلفاته التقليدية ولكن بعد عودته من الخارج اختار الطريق الصعب حيث قدم الموسيقي ذات الوسائط والتي يعد رائدها في مصر كما أنه من القلائل علي مستوي العالم الذين يجيدون هذا النوع من الموسيقي التي تقدم بمصاحبة فنون تعبيرية أخري مثل السينما والمسرح والجرافيك. موضوع الحفل كان يدور حول فيلم "دعاء الكروان" الذي يعد من روائع تراثنا السينمائي عن قصة للأديب الدكتور طه حسين وإخراج بركات وجاء البرنامج علي شكل خمس لقطات بدأت بارتجالات علي آلة الكمان وعلي يمين المسرح وقفت الفنانة التشكيلية شادية القشيري لتبدأفي رسم لوحة وتظل هكذا تنتهي من رسم اللوحة مع ختام الحفل.. اللقطة الثانية لحن بعنوان "أوتار مطلقة" تؤدية مجموعة من العازفات الصغيرات تتراوح أعمارهن 4 و6 سنوات عكف المؤلف علي تدريبهن من خلال تجربة تعليمية جديدة وضع أصولها تعود بالفائدة عليهن وعلي اسرهن التي احتشدت بهم القاعة وحقق من خلالها الخروج بالفن خارج أسوار الاوبرا أما اللقطة الثالثة شارك فيها بنات المرحلة الاعدادية حيث شدون بآهات جماعية مع تمثيل مشهد مسرحي بعنوان "وين هنادي ياماي" وجاء آداؤهن جيدا جدا.. ثم تأتي اللقطة الرابعة حيث يعرض مشهد من الفيلم بينما يعزف منفردا علي آلة الكلارينت العازف مصطفي محمود وتأتي اللقطة الاخيرة والخامسة والتي يعد كل ما سبق تمهيدا لها حيث دخل المسرح فريق مكون من 7 عازفين من نجوم العزف في الساحة الفنية وهم حسام شحاتة وروبرت ريتنر ومحمد رفعت "كمان" ومحمد حسن تشيللو وكريم محمد "كونترباص" وبيترا اولاي "فلوت" ود. سيد شحاتة "باص كلارينت".. وجلسوا في الجانب الايسر من المسرح ويقودهم المؤلف ويعزفون من إبداعه متتابعة مكونة من 8 حركات بينما تعرض مشاهد من الفيلم أعاد المؤلف ترتيب مناظرها "مونتاج".. ليس هذا فقط بل هناك وسائل تعبيرية أخري حيث استخدم فن الباليه من خلال رقصات حية أو بأسلوب السلويت من تصميم الفنان فاروق الشريف ومحمد أبوسريع ويؤديها نجوم فرقة البالية ممدوح حسن وهالة عزت وسلمي وقد تخللت المتتابعة ارتجالات لحنية وحواراً مع العازفين.. المقطوعة كتبت بأسلوب معاصر وجاءت واضحة في حد ذاتها من حيث الفكرة الموسيقية والتعبير وهذا نابع من آن المؤلف هنا مالك لأدواته ولكن السؤال ماذا أضافت وسائل التعبير الاخري والإجابة انه تم استثمارها لصالح الموسيقي عكس كل الفنون التعبيرية الاخري حيث دائما الموسيقي عامل مساعد يتم توظيفها لخدمة العرض السينمائي أو المسرحي ولكن هنا نجد المؤلف تحول إلي مخرج يستخدم كل ما يتقنه وكل ما تعلمه في إيصال فكرته الموسيقية وقد نجح إلي حد كبير ولكن هذا النوع من الفنون الحديثة والمعاصرة يحتاج أن يسبقها محاضرات للتعريف بها ويحتاج إلي جمهور علي درجة كبيرة من الثقافة وليس هذا فقط بل علي علم ووعي بالموسيقي العالمية ومتدرب علي سماعها ويحتاج أيضا إلي فريق مدرب من الفنيين حيث يتم تقديمها بشكل سريع يتضح فيه الاحتراف ورغم ان فكرة التعاون مع المدارس فكرة اجتماعية جيدة ولكن اري ان العمل أكبر منها.. وبشكل عام العمل من الناحية الفنية يعد من انضج اعمال المؤلف واضحا فيه تأثره بالفنون المعاصرة مثل الرقص المسرحي الحديث كما جمع فيه بين جذورنا الثقافية والتطور الموسيقي القائم علي الأسس العلمية وكما سبق ان ذكرنا استخدم عناصر كثيرة تعبر عن فكرته الموسيقية وأري انه نجح ولكن رغم الدعم التي قدمته الأوبرا للمؤلف والدور الرائع الذي قامت به مدرسة القديس يوسف ومديرتها سميحة راغب والمدرسون الذين ساعدوا في تدريب التلميذات اماني أمين ومريم متي ودور المؤلف التطوعي في تعليم الاطفال إلا أن ما يقدمه د. محمد عبدالوهاب عبدالفتاح مشروع ثقافي يحتاج تبنياً ودعماً كبيراً من وزارة الثقافة لتكتمل ملامحه ويحقق التطور الموسيقي المنشود ولنواكب العالم المتحضر في مجال الفنون المركبة.