أسعد كثيرا حين أجد مبدعا يرتدي عباءة الناقد. وقد سعدت بكتاب المبدعة د.رانيا يحيي الجديد الذي صدر لها ضمن سلسلة آفاق السينما بالهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان "موسيقي أفلام يوسف شاهين". وفيه تقدم دراسة علمية وفنية فريدة من نوعها في مجال الدراسات السينمائية مما ضاعف سعادتي. حيث يعد الكتاب هو الأول من نوعه في المكتبة المصرية والعربية الذي يرصد بعين المتأمل جماليات موسيقي الأفلام. سواء الموسيقي التصويرية أو المؤثرات الصوتية أو تترات المقدمة والنهاية أو غيرها. مما يندرج تحت مسمي موسيقي الأفلام السينمائية. وقد اختارت أفلام المخرج الراحل يوسف شاهين علي نحو خاص. والمتابع لمسيرة رانيا يحيي العلمية والفنية ربما تصيبه الدهشة لما بها من خبرات متعددة تدفعنا إلي التساءل كيف اجتمعت. فهي خريجة حقوق القاهرة وشقت طريقها الفني بجدارة حتي حصلت علي درجة الدكتوراة في فلسفة الفنون من المعهد العالي للنقد الفني. كما أنها عضو بأوركسترا أوبرا القاهرة وعازفة الفلوت بالكونسرفتوار وفي حفلات الصولو. وفضلا عن هذا فهي كاتبة وناقدة. ومن ثم فهي إذن مجموعة من المواهب الفنية والملكات الإبداعية التي تلفت الانتباه. وعلي عمق المضمون التحليلي لمحتوي الكتاب. نجد بابين لا ثالث لهما يتناول الأول الرؤية الجمالية عبر فصلين الأول: منهما يركز علي تلك الرؤية بين الموسيقي والصورة والثاني يركز علي يوسف شاهين وموسيقي الأفلام. أما الباب الثاني فيتناول التحليل الموسيقي عبر فصلين أيضا. يختص الأول منهما بالتحليل الموسيقي للأفلام والثاني بجماليات أسلوب المؤلفين الموسيقيين ورؤية يوسف شاهين الجمالية. وكأنها تعمدت أن تقدم إلي القارئ هذه الجماليات في شكل جمالي أيضا يتسم بالبساطة وعدم التعقيد. ولا يختلف أحد أن يوسف شاهين رحمه الله حفل بمكانة رفيعة في التاريخ السينمائي المصري والعربي والعالمي جعلت من أعماله مادة للنقد والتحليل. وحين تجتمع هذه المكانة الرفيعة مع المذاق الخاص للموسيقي المرتبطة بالصورة داخل الفيلم السينمائي. لابد وأن يتجلي ذلك في عمل نقدي يجمع بين الرصانة العلمية والقيمة الإبداعية. لقد جمع هذا الكتاب في رأيي بين قيمتين فنيتين لتجربتين اتحدتا في رؤية جمالية واحدة وانصهرتا داخل منظومة جمالية إنسانية. تتمثل الأولي في يوسف شاهين كمبدع مجدد جعل للموسيقي تأثيرها القوي علي النفس من خلال الدراما السينمائية. وذلك عبر تعاونه مع العديد من المؤلفين الموسيقيين طوال مشواره الفني. وتتمثل الثانية في ذلك التناول النقدي والتحليل العلمي الذي استند إلي رؤية إبداعية. فكنا أمام تجربة إبداعية نقدية تقدم تجربة إبداعية سينمائية. ولعلي أعترف بأن من أهم إيجابيات هذا الكتاب أنه أعاد للموسيقي داخل الفيلم السينمائي أهميتها ومكانتها التي لم يكن يهتم بها أحد. بل جعلها من أهم العناصر الفنية التي تمتزج بالنفس البشرية وتؤثر فيها. حيث تلعب علي أوتار الأحاسيس والمشاعر لدي المشاهد وتزيد من جرعة عاطفته سيكولوجيا تجاه المشهد الدرامي. وأقدم التحية للناقد السينمائي والصديق د.ياقوف الديب الذي كان من أكثر النقاد الذين أشادوا بالكتاب ولفتوا الانتباه إليه بأنه يؤسس لعلم جديد يركز علي القيمة الجمالية للموسيقي والصورة معا. وفي رأيي لقد قدمت رانيا يحيي عزفا بفلوت الكلمات في هذا الكتاب.