عندما اجتمع المكتب الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي لاختيار ضيف شرف المهرجان في دورته ال 34 المنعقدة في الفترة من 30 نوفمبر وحتي 9 ديسمبر. وجد الأعضاء ان المهرجان طوال دوراته السابقة احتفي تقريبا بأهم صناعات السينما الوطنية في قارات العالم. وعند استعراض التأثير الذي مارسته مصر من خلال تاريخها القديم وحضارتها ضاربة الجذور. علي السينما وصناع الأفلام في العالم وجدوا أن هذا التأثير جعل لمصر حضورا دائما ومستمرا حتي يومنا هذا. وهو تأثير لم يسع اليه المصريون وانما كاميرات السينمائيين في العالم أجمع هي التي وجدت فيه مرتعا خصبا يمرح فيه الخيال البصري ويصول ويجول. وعند حصر الأفلام التي تناولت التاريخ المصري القديم اتضح ان أكثر من 80 فيلما دارت حول المومياوات المصرية. وأكثر من خمسين فيلما عن الملكة كيلوباترا. بالاضافة الي عشرات الأفلام عن مصر القديمة وأشهر ملوك الفراعنة وعن رمسيس الثاني بصفة خاصة. الذي صورته بعض الأفلام الأمريكية باعتباره الفرعون الذي شهد عصره خروج اليهود من مصر.. وليس التاريخ القديم فقط وانما أيضا الحديث بعد أن تمت ترجمة الأعمال الأدبية العظيمة للأديب نجيب محفوظ التي صورت حياة المصريين في القاهرة. تناولت السينما العشرات من الأعمال الدرامية التي صورت في ربوع المعابد القديمة. أبوسنبل. والأهرامات والكرنك بالاضافة الي تسجيل عمليات الكشف والتنقيب التي شكلت بدورها دراما خالدة تؤكد التفاعل العلمي والإثارة العقلية والفكرية التي ملأت علماء الآثار بالحماس ومواجهة التحدي اللغوي والفني والعلمي الكامن في عمليات الاكتشافات الأثرية. لقد أحتلت درامات العهد القديم العديد من الأفلام التي تم تصويرها في مصر. وكذلك رحلة العائلة المقدسة. إذن لماذا لا يلقي المهرجان الضوء علي هذا الجانب المهم الذي يجهله كثيرون من جمهور السينما في مصر. ولماذا والأمر كذلك لا ينظم المهرجان ندوات موسعة تستعرض بعض أهم هذه التجارب الكاشفة من أفلام العالم ونضعها في الميزان من أجل فهم أعمق وتفاعل يظهر الجانب السلبي في بعضها. خصوصا أن كثيرا من هذه الأعمال عالجت مادتها من وجهات نظر تستحق النقاش والمكاشفة للوصول الي المزيد من الوعي بقدرة مصر علي التأثير. لقد انتهي الاجتماع باختيار مصر كموضوع شغل العالم ومازال. وجذب ومازال يجذب السينمائيين سلبا أو ايجابا. فلا يوجد في هذا الاختيار "ضيف شرف" بالمعني المعتاد. وانما الفكرة أو الموضوع مركز الاهتمام هو الذي يحتل بؤرة التركيز في الدورة ال .34 لقد سبق اختراع الصور المتحركة "1895" وصناعة السينما. صناعة التاريخ ودور المؤرخين الذين وضعوا التاريخ والحضارة المصرية في المرتبة العظيمة التي تستحقها. وسجلوا مادة شديدة الثراء والتنوع ألهمت الشعراء والمعماريين وكتاب الرواية والرسامين والنحاتين ودارسي الفن. ومن ثم امتلأت خزائن الذاكرة والوعي الإنساني بالميراث الثقافي والفني لهذه المنطقة من العالم ولعبت الأساطير التي نسجها الرواة وعشاق الحكايات حول أسرار المعابد والمقابر والمومياوات التي تنتظر البعث واللعنات التي تصيب من يؤرق مضاجعهم أو يغزوا مراقدهم وحين جاءت الصور المتحركة بامكانياتها وعطشها الي الحكايات المثيرة نهلت من هذا الميراث واعادت انتاجه في شرائط سينمائية تخلب ألباب عشاق السينما وتفتح أمام الجمهور البعيد وعبر الشاشة أبواب أكبر واعظم متحف في تاريخ الحضارة وحكايات عن الموت والخلود والجمال والعشق والصراع الأبدي بين مظاهر الشر والخير. طوال مائة عام أو أكثر هي عمر السينما لم تتوقف كاميرات السينما في دول العالم وبالذات أمريكا وأوروبا عن استلهام التاريخ المصري والأساطير التي نسجت حوله.. ومع تقدم أدوات التعبير التكنولوجي والرقمي ازدادت شهية صناع الصورة لتحقيق المزيد من الاشباع البصري عبر زيارات جديدة. بأدوات أحدث للتاريخ المليء بالصور والمناظر البديعة وسحر الإثارة والبومات متنوعات من الشخصيات الفريدة علي غرار كيلوباترا. وهيباتيا وانطونيو ويوليوس قيصر والملك توت عنخ آمون والإسكندر والإسكندرية زمردة العالم ومنارة ثقافته وعلومه.. إنه موضوع شديد الإغراء.. سينما العالم وتفاعلها مع التاريخ المصري ومع مصر التاريخ والميراث الثقافي والفني. وهو موضوع يستحق التركيز وياريت أن تحقق الندوة التي تعتبر الحدث الثقافي الأكبر في هذا الحدث السينمائي الكبير. النجاح المرجو منها. وأن تنجح في غواية المهتمين بالسينما والمفكرين الولهين بدور هذا الوسيط في التنوير واثراء مدارك الجمهور.