منذ ظهر الوفد في مصر وطوائف الشعب تلتف حوله.. وفي سنة 1924 حقق الوفد نجاحا ساحقا وتولي سعد باشا زغلول رئاسة الوزراء.. ولأن الملك فؤاد وأيضا الانجليز كان لهم اعتراضات مستمرة علي قرارات سعد ورغم هذا الالتفاف الشعبي حوله إلا ان الملك قرر ايقاف عمل البرلمان لمدة شهر اعتبارا من 25 نوفمبر 1924 وحله في 24 ديسمبر أي لم يستمر أكثر من ثمانية أشهر.. كما أجبر الانجليز وأيضا الملك سعد باشا علي الاستقالة ومع كل هذه الشعبية إلا انه لم تقم احتجاجات أو أعمال عنف مع انهاء حكم الوفد!! ومرة أخري تم حل البرلمان في نفس يوم انعقاده وذلك في عام 1925 بعد أن اكتشفت الحكومة ان الوفد فاز بأغلبية المقاعد وتم اختيار سعد باشا رئيسا لمجلس النواب.. وتم حل المجلس الجديد في 22 مارس 1925 ولم تقم مظاهرات ولم تحدث حوادث شغب احتجاجا علي حل المجلس!! كان الملك فاروق يهوي اقالة مصطفي النحاس ففي 30 ديسمبر عام 1937 صدر أمر ملكي بإقالة وزارة النحاس باشا وقد جاء في ديباجته نظرا لما اجتمع لدينا من الأدلة علي ان شعبنا لم يعد يؤيد طريقة الوزارة في الحكم.. ولهذا لم يكن هناك بد من اقالتكم. كان هذا رأي القصر في وزارة النحاس باشا.. ولكن لم تقم المظاهرات احتجاجا ولم تحدث أعمال عنف وتدمير وتعطيل لمسيرة الحياة!! وفي سنة 1944 كان الملك فاروق لا يرغب في بقاء مصطفي النحاس في رئاسة الوزارة.. وطالما خاطب الانجليز في اقالته وأخيرا حانت له الفرصة يوم 8 أكتوبر عام 1944 وفي هذا يقول حسن يوسف في كتابه "القصر ودوره في الحياة السياسية" انه ذهب بخطاب الإقالة إلي مصطفي النحاس باشا في الاسكندرية وسلمه الخطاب وكان أسوأ خطاب اقالة إذ كتب فيه "عزيزي مصطفي النحاس باشا.. لما كنت حريصا علي أن تحكم بلادي وزارة ديمقراطية تعمل للوطن وتطبق أحكام الدستور أيضا وروحه وتسوي بين المصريين جميعا في الحقوق والواجبات وتقوم بتوفير الغذاء والكساء لطبقات الشعب.. وقد عجزت الوزارة عن تحقيق ذلك. لهذا فقد رأينا أن نقيلكم من منصبكم" وعندما قرأ النحاس باشا الخطاب قال "ربنا يوفق الملك ويلطف بالبلاد"!! وفي آخر خطاب اقالة يوم 26 يناير 1952 قال الملك فيه "ان جهد الوزارة قد ضعف وقصر عن حفظ الأمن والنظام".. كانت هكذا كل خطابات الاقالة التي أرسلها القصر إلي النحاس باشا وفيها هذا النقد والتجريح.. ورغم هذه الشعبية الجارفة للوفد وزعيمه ورغم ان النحاس كان يتولي الرئاسة نتيجة حصول الوفد علي الأغلبية الكاسحة في الانتخابات وان الإقالة كانت تتم قبل الموعد القانوني لانتهاء مدة البرلمان.. إلا انه لم يقل انه الرئيس الشرعي للبلاد.. ولم تقم المظاهرات العنيفة المدمرة احتجاجا علي الإقالة!! وهذا هو الفرق بين زعيم شعبي ورئيس طائفي.. جاء نتيجة انتخاب شعبي وأقسم اليمين علي احترام الدستور ورعايته للبلاد رعاية كاملة.. إلا انه تقاعس عن احترام القسم وفشل في إدارة البلاد.. وكان النجاح الوحيد هو تحريض أعضاء الجماعة علي تدمير المنشآت والاعتداء علي الآمنين وزعزعة الاستقرار والأمن.