أثارت ندوة "الزكاة وسد احتياجات المجتمع" التي أقامها المجلس الأعلي للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف الجدل مجدداً حول الإجراءات اللازم اتخاذها لكي تصل أموال الزكاة إلي مستحقيها وهل توزيعها مسئولية الدولة أم الأفراد أم المؤسسات الأهلية والخيرية التي يمكن أن تأخذ علي عاتقها مهمة إيصالها لمستحقيها. كان المشاركون في الندوة وفي مقدمتهم الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر وغيرهما قد طالبوا بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات التي تتيح الحفاظ علي أموال الزكاة ووصولها للمستحقين وإنشاء بيت للزكاة يقوم بجمعها والإشراف علي إنفاقها. ناقشنا هذه القضية مع علماء الدين فيقول الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية: إن هناك نوعين من الأموال التي تستحق الزكاة الأول الظاهرة كالزروع والثمار وعروض التجارة وهذه علي الدولة أن تجمعها بنفسها والثاني الباطنة مثل الأموال النقدية التي يمتلكها الشخص نفسه وفي هذه الحالة ليس من سلطة الدولة البحث عما يمتلكه الإنسان من نقود وإجباره علي إخراج زكاته منها فهذا الأمر متروك له طبقاً لدرجة تمسكه بدينه. يؤيد د. عثمان إنشاء هيئة مستقلة تقوم بجمع الزكوات الظاهرة وتوزيعها علي المستحقين يكون لها نظامها الإداري الخاص بها علي أن تكون خاصعة للمراقبة والمحاسبة.. ولا مانع من وجود الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية التي تجمع الزكوات وتوزعها علي الفقراء والمحتاجين لأن ذلك يوفر الكثير من الوقت والجهد لصاحب المال كون هذه الهيئات علي دراية واسعة بمن يستحق الزكاة لكن بشرط أن يتم الإشراف عليها من قبل الأجهزة الرقابية بالدولة وأن يكون القائمون علي تلك الجمعيات من المشهود لهم بالخلق الفاضل والعدالة حتي لا تضيع تلك الأموال هباء. مسئولية الحاكم يري د. محمد عبدالحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر ان الدولة يجب أن تتولي عملية إخراج الزكاة وأن هناك دليلين علي ذلك أحدهما عقلي والآخر نقلي.. فالعقلي يقول إن الحاكم مسئول عن سياسة الأمة ومصالحها والزكاة من مصالح الأمة لأنها حق للفقراء في مال الأغنياء.. كما أن هناك من ضمن مصارف الزكاة العاملين عليها.. وقد ثبت أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يستخدم عمال الزكاة والصدقات في توزيعها وتولي المهمة بعد الرسول أبو بكر وسار علي نفس النهج جميع الخلفاء بعد ذلك.. أما الدليل النقلي فهو ان الله عز وجل خاطب رسوله صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" والخطاب كما أجمع عليه المفسرون انه ليس خاصاً بالنبي فقط ولكن لكل حاكم مسئول عن دولة ورعية. أضاف: انه في حال لم يقم الحاكم بمهمة جمع الزكاة فلابد أن تنظم ولا تكون فردية حتي لا يضيع الغرض من إخراجها وهو تحقيق الكفالة لأكبر قدر ممكن من الفقراء وذلك عن طريق مؤسسات مختصة غير حكومية لديها المستندات التي تحدد كيفية توزيع أموال الزكاة علي مستحقيها يجمعها ربط إلكتروني ينسق فيما بينها بحيث يضمن ألا يأخذ الشخص من أكثر من جمعية. فرض عين الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر يري ان الفقهاء أجمعوا علي فريضة الزكاة والالتزام بتطبيقها حيث أوضحوا انها فرض عين ومن أقر بفرضيتها ومنعها فإنها تؤخذ منه كرهاً ويجبر علي أدائها.. وإذا منعت في جماعة فإنهم يقاتلون عليها حتي تؤخذ منهم كما فعل الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قاتل الممتنعين عن أداء الزكاة. يري أن طبيعة أموال الزكاة وكيفية توثيقها وتدوينها ومعيار معرفتها يتأثر بالتغيرات الاقتصادية والمالية والقانونية.. وان الرأي الأرجح هو ولاية ولي الأمر علي جمع الزكاة بجميع أنواعها ظاهرة وباطنة وانه يجوز له أن ينيب الملاك عن بعض الأموال الباطنة ان تطلب الأمر وذلك لأن توزيعها عن طريق الحكومات يحفظ للفقير كرامته ويصون ماء وجهه. إلا أن هناك بعض المعوقات قد تقف حجر عثرة في سبيل التطبيق الإلزامي للزكاة علي مستوي الدولة من بينها الأزمات الإيمانية والأخلاقية السائدة في بعض الأقطار الإسلامية ورسوخ النظم المالية الوضعية وقوة المؤيدين لها والمحافظين علي استمرار تطبيقها وعدم تعليم العلوم الشرعية في المدارس والجامعات ولا سيما فقه الزكاة بالإضافة إلي عدم وجود القوانين والنظم والإجراءات اللازمة للتطبيق لكن هذه الصعوبات يمكن التغلب عليها عن طريق وضع استراتيجية وخطط وبرامج لمعالجتها. يري ان أفضل منهج للتطبيق الإلزامي للزكاة علي مستوي الدولة يكون بالتدرج علي أن يكون للزكاة موازنة مستقلة عن موازنة الدولة العامة نظراً لتخصيص مواردها علي مصارف معينة وأن تعيد الحكومة النظر في السياسات المالية والاقتصادية بما يتواءم مع تطبيق الزكاة.