مضت ساعة منذ إقلاع الطائرة المتجهة من مطار القاهرة إلي أرض الأحلام مضي الوقت بطيئاً.. المرة الوحيدة التي يسافر فيها خارج الوطن.. وبينما هو يفكر فيما يفعل في بلد مختلف العادات والتقاليد.. والثقافة والحضارة.. إذ حدثت تحركات من قبل طاقم الطائرة.. بدا التوتر والقلق علي قائد الطائرة بعد أن همس إليه أحد مساعديه: لابد أن نتصرف بسرعة قبل فوات الأوان.. دلف قائد الطائرة إلي داخل الكابينة.. تحرك مساعده يمنة ويساراً في اضطراب واضح.. انطلق إلي مؤخرة الطائرة.. الكل ينظر إليه في ترقب.. غاب لحظات ثم رجع مسرعاً يتهامس مع قائد الطائرة مرة أخري.. فزاد الارتباك والقلق علي الركاب.. وازداد الموقف سخونة بعد أن أمر قائد الطائرة الجميع بالاستعداد للهبوط اضطرارياً. راحت الطائرة تهتز بشدة وتحدث شبه انفجارات.. أدرك الجميع أن لحظة النهاية باتت وشيكة.. وأن المشهد قارب علي الانتهاء.. رفعوا أكف الضراعة وانتظروا المصير المجهول.. زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.. سمعوا صوتاً من داخل الكابينة يردد الحمد لله.. الحمد لله.. لقد نجونا.. لم تمض لحظات حتي أطل عليهم قائد الطائرة فرحاً مطمئناً إياهم.. الحمد لله لقد تغلبنا علي عطل كاد يودي بحياتنا.. تنفس الجميع الصعداء.. وسادت حالة من الارتياح بين الركاب.. ثم راحوا يتهامسون بينهم فيما حدث.. وكيف أنهم كانوا قاب قوسين أو أدني من الموت. ظل هو شارد الذهن.. شاخص البصر.. ثم راح يفكر بعد أن ارتسمت أمامه مشاهد عدة لما حدث.. وكيف لو انفجرت الطائرة وهم في عرض البحر.. تذكر أنه لا يجيد السباحة.. تراءت أمامه أسماك القرش وهي تنهش أشلاء الجثث.. حاول الفرار من هذا المشهد المخيف سائلاً نفسه إن معظم البحار بها جزر تصلح للحياة.. وبها نباتات وأشجار مثمرة.. كما أنها تزخر بالطيور الوديعة ذات اللحم اللذيذ.. ثم قال وهو ينظر إلي أعلي أن معية الله معه في كل مكان.. فأعاد مشهد اهتزاز الطائرة بشدة ودوي الانفجارات.. وحالة القلق التي سيطرت علي طاقم الطائرة مرة أخري وانفعل مع المشهد المأساوي لتنفجر الطائرة وتتطاير في الهواء ليكون هو الناجي الوحيد من بين الركاب. *** علي جزيرة من جزر المحيط الأطلنطي وجد نفسه واقفاً وإلي جواره مجموعة من الحراس والجنود.. نظر إليهم قائلاً: من أنتم؟ فردوا في صوت واحد نحن جنودك وحراسك يا مولاي.. فرد وهو يرتعش من الخوف جنودي.. حراسي.. وحاول إفهامهم فقاطعه أحدهم قائلاً: أنت ملك الجزيرة ونحن جنودك وحراسك نبحث عنك منذ ثلاثة أيام.. فزاد خوفه وارتعاشه.. وقال متلعثماً أنا مص ص ص.. وراح يقص عليهم حادث الطائرة.. نظروا إليه نظرة شفقة بينما راح بعضهم يتهامسون فيما بينهم.. مسكين هذا الملك كلما مر عام علي وفاة ابنه الأكبر الذي أكله السبع وهو في رحلة الصيد.. يتوهم أشياء غير حقيقية ويهذي بكلام غير مفهوم.. ثم تقدم إليه أربعة من الجنود لحمله علي كرسيه واتجهوا به في موكب مهيب نحو القصر.. وهناك أمام القصر وجد جموعاً كبيرة من الجنود قد اصطفوا علي جانبي الطريق المؤدي إلي القصر.. كان في استقباله امرأة من هيأتها أنها الملكة.. قالت له معاتبة: لقد تأخرت كثيراً في رحلة الصيد.. ونحن في انتظارك من البارحة.. أنسيت أن اليوم هو العام الثلاثون علي اعتلائك عرش الجزيرة.. ثم انطلق إلي داخل القصر تتبعه الملكة غير مصدق ما حدث.. يكلم نفسه: قصر.. العام الثلاثون؟! ربما هذا صحيح. علي الفور نادي لي الوزير بصوت كصوت الملوك.. يا وزير.. هرول إليه الوزير مردداً أمرك يا مولاي الملك فقال له: هل أعددت العدة لحفل الليلة.. فقال الوزير: كل شيء علي ما يرام يا مولاي.. فقال له إذن ائتني بقرطاس ودواية ولتكتب خطبة عصماء موجهة إلي شعب المملكة.. وليكن موعدنا المساء.. انصرف الوزير وفي المساء اجتمعت الحشود من الجماهير الغفيرة.. وطوائف الشعب المختلفة.. أمام شرفة القصر التي سيلقي منها الملك كلمته.. ظهر الملك من الشرفة يتوسط الملكة والوزير.. حيا الجماهير.. ثم بدأ كلمته.. أيها الشعب المناضل أيها الجنود البواسل.. يسعدني في هذه المناسبة السعيدة أن أتقدم إليكم بأصدق التهاني القلبية مجدداً العهد أن أوفر لكم سبل الرخاء ورغد العيش واسترسل في خطبته وسط صيحات الجماهير وهتاف العسكر.. بينما بدأ جندي من الجنود يتسلل من خلف الجماهير إلي أن وصل علي مقربة من شرفة الملك.. واستل سهماً من كنانته.. ليصوبه في نحر الملك فيصرخ صرخة مدوية.. يستيقظ علي إثرها من نومه وهو يصيح: أنا الرئيس الشرعي.. أنا الرئيس الشرعي!!!