في هذا النص المسرحي الذي يحمل عنوان "المؤرقون" والصادر حديثا عن سلسلة "نصوص مسرحية" التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة. يفجر الكاتب "عماد مطاوع" قنبلة في وجه وعقل ووجدان القارئ أو المتلقي وهي ليست بالطبع قنبلة إرهابية ولكنها علي العكس تماما توقظ الأرواح وتحيي النفوس وتنقذ البشر من خطر محدق. ببساطة شديدة هي "السلبية". "اللامبالاة". لغة ال"وأنا مالي!" التي أصبحت تسم حياتنا جميعا. وتصيبنا كلنا بلا استثناء وكأننا مغيبون أو فاقدون للوعي والإدراك. تلك الحالة التي لا فكاك منها أو خلاص إلا بصدمة شديدة أو ارتطام هائل رغم جراحنا المتوقعة عنه. يعيد خلقنا من جديد. "قنبلة" كالتي فجرها الكاتب في نصه. المسرحية ذات الفصل الواحد تحكي عن ثلاثة "مؤرقين" أو مصابين بداء العصر الحديث "الأرق" يلتقي اثنان منهما مصادفة بفناء أحد التجمعات السكنية في وقت متأخر من الليل. ومن خلال حوارهما معا نتعرف علي شخصية كل منهما ومسببات أرقه. فأحدهما رجل في سن الستين يشكو من الوحدة بعد هجر زوجته وأبنائه له منذ سنوات عندما سجن بسبب احد مؤلفاته التي انتقد فيها بعض الشخصيات الهامة وهو يحاول التغلب علي مشكلاته وأهمها "الأرق" الملازم له بالخروج في هذا الوقت المتأخر والتسكع في الشوارع بملابس النوم وعلي الرغم من أن سلوكه هذا يبدو كما نري مبررا إلا أنه - وبشيء من الروية والتأمل - لايخرج عن كونه "سلبية اختيارية" امتنع فيها الرجل عن محاولة البحث عن زوجته وأولاده الغائبين منذ عدة سنوات فتخلي بذلك عن واجبه نحوهم. وهذا ما سبب له ما يعانيه من "أرق". الثاني رجل تخطي الأربعين بقليل. هجرفراش زوجته منذ عام ربما احتجاجا منه علي عدم انجابه منها ولجأ إلي شرب الخمر واقامة علاقات غير مشروعة مع نساء أخريات. ليتغلب علي أزمته تلك وما سببته له من "أرق" شبه دائم.. فكان بذلك سلبيا أيضا في عدم محاولته ايجاد حل لمشكلته مع امرأته وإذابة فواصل عدم الثقة بينهما.. وبعد مرور وقت من حوارهما معا. تنضم إليهما - بالصدفة أيضا - امرأة في الثلاثين من عمرها. تمارس العديد من العلاقات المشبوهة درءاً لشعورها بالفراغ وعلاجا لبرودة حياتها وخلوها من الدفء والاحتواء مما سبب لها المزيد من "الأرق".. وينجح الكاتب في إدارة "الحوار" بين الشخصيات الثلاث كاشفا من خلاله تدريجيا عن كوامن كل شخصية وحقيقة أزمتها ومسببات معاناتها إلي أن تصل الحالة إلي ذروتها باكتشاف كل منهم لنقيصته. ومواجهته لنفسه في لحظة فارقة يتحتم علي أيهم فيها الاختيار بين إنهاء حياته بيديه. أو الاستمرار في تلك الحالة البغيضة من "السلبية" و"اللامبالاة". يحسب للكاتب رغم قصر نصه. ووضوح مضمونه ومغزاه من البداية. استخدامه الرشيق للغة العربية الفصحي في الحوار رغم انتشار اللغة العامية حاليا في حوارات النصوص المسرحية وكذلك حسن توظيفه لعناصر التكوين المسرحي من حيز وإضاءة وحركة شخصيات.. ولهذا نقول ان مسرحية "المؤرقون" للكاتب "عماد مطاوع" خطوة في طريق عودة ما سمي من قبل "بالمسرح الذهني". محمد عبدالحميد دغيدي