أرجو ألا تضع ما سأرويه لك تحت عنوان "صدق أو لا تصدق". أو أنه قد حدث في مدينة أخري غير مصر المحروسة. بكل ما حفلت به كتاباتنا عنها من صور الشهامة والمروءة والجدعنة. ركبت "تاكسي". وجد السائق في يدي كتاباً. فقال: هل هناك من لايزال يقرأ؟.. وتكلم عن غياب القراءة من حياتنا. شغلنا الفيس بوك والفضائيات والتفاهات التي لامعني لها. أضاف إلي كلماته عبارات بالانجليزية ما يعني إنه مثقف. لما اقتربت من بيتي فاجأني بمأساة أقرب إلي ما أبدعته عبقرية مخرج الروائع عن شاب مقعد. يتيم الابوين. يريد أن يتم تعليمه. ورفع مصحفاً شريفاً وضعه علي تابلوه السيارة: إذا أردت التصدق بشئ. فضعه هنا. ولا تبلغني بما دفعت. ووضعت ما فيه القسمة. دون أن أبلغه. بعد أقل من ساعتين ناديت علي سيارة إلي مشوار قريب. كان العداد قد قرأ ثلاثة جنيهات ونصف. أعطيته - بأريحية- خمسة جنيهات. أشار إلي العداد وقال: ألا تقرأ؟ عشرة جنيهات. أعدت القراءة وقلت: أعرف القراءة. والرقم ثلاثة جنيهات ونصف. ارتدي- في الحال- ثوباً مغايراً. تمسكن وتذلل وتكلم عن الظروف الصعبة. واهي صدقة. وكل عام وأنتم بخير. ولأن شرر عينيه لم يتسق مع لهجته فقد آثرت السلامة. ودفعت صاغراً. بعد ساعات قليلة. أخذت تاكسياً من ميدان رمسيس إلي مصر الجديدة. ترك السائق عداد التاكسي إثر نزول السيدة التي استقلته قبلي. لا بأس بزيادة بضعة جنيهات. وصلت إلي بيتي. وأخرجت مائة جنيه. المبلغ بالتمام والكمال- زائد حساب السيدة الراكبة قبلي- 39 جنيها. قلت خذ أربعين جنيها. قال السائق: أشكرك وطالبني أن أنزل من السيارة كي يأخذ الباقي من المقعد الذي أجلس عليه. وبسذاجة يعرفها عني القاصي والداني. نزلت ومد السائق يده إلي ما تحت الكرسي. ثم مدها إلي عجلة القيادة. واعتدل في جلسته. وانطلق أخذتني المفاجأة. فظللت ساكناً. ان يتكرر ما حدث في أقل من خمس ساعات فهو يحمل معني الظاهرة. ولعلي أضيف إنها أخطر من الفوضي والزحام ما ابتلينا به هذه الايام. السيارات الملاكي يقودها أصحابها. أما ذوو الدخول المحدودة- مثلي ومثلك- فإنهم يستخدمون الباصات معظم الاحيان. ويلجأون إلي التاكسيات- للضرورة- أحياناً. لا أجد من أشكو إليه- بعد الله- سوي المسئول الذي لا أعرفه. اسمح لنفسي أن أجد في الظاهرة السيئة. الجديدة ما يستدعي التدخل السريع. للقضاء علي تهم كثيرة. تبدأبالنصب وتنتهي بالسطو. يا أيها المسئول نستغيث بك لإنقاذ مواردنا الشحيحة!