الحفل الذي أقيم في المسرح الكبير تحت عنوان "في حب مصر" يعد من أهم السهرات الفنية التي أقيمت بمناسبة الثورة ليس لان كل الفنانين تبرعوا بأجرهم لصالح أسر شهداء ثورة 25 يناير ولا لأن إيرادات الحفل الذي اكتظ بالجماهير خصصت لهذا الشأن ولكن لأنه جاء تعبيراً عن الروح الوطنية الحقيقية التي يختص بها هذا الشعب من الانتماء لمصر واحترام الأديان كما انه سخر من كل مدعي الفتنة فقد أحيا الحفل فريق التخت العربي بقيادة د. ياسر معوض المسلم وكورال أم النور بقيادة د. سعد إبراهيم وإذا كان المسرح اختلط فيه المسلم بالمسيحي فقد كان هذا أيضاً حال المشاهدين حيث غني الجميع لمصر وافتخروا بثورتهم. التأكيد علي المواطنة ودرء الفتنة والتغني بحب مصر فكرة ليست جديدة بل سبقت إليها فرقة الهواة "أنا مصري" ولكن الجديد هنا ان الفرقتين محترفتين بالمعني الفني الأولي تتغني بأغاني التراث العاطفية والدينية وقوامها الموسيقي والأغاني الفردية. أما الثانية كورال متخصص في الغناء الديني المسيحي وينبثق منه عدد من السوليستات "المغنيون الفرديون" وفي هذا الحفل اجتمع الفريقان علي حب مصر من خلال مجموعة كبيرة من الأغاني الوطنية واستفاد كل فريق بإمكانيات الآخر الفنية التي يفتقدها التخت العربي استفاد من الغناء الجماعي وكورال أم النور استفاد من الأداء الموسيقي الجيد لفرقة التخت العربي وخاصة مجموعة الآلات الشرقية. وفرقة التخت العربي تأسست عام 1990 كفرقة تؤدي الموسيقي البحتة وتركز علي الإيقاعات ربما لان قائدها ياسر معوض عازف إيقاع متميز وحاصل علي الدكتوراه في هذا التخصص وتطورت الفرقة بعد ذلك لتصبح فرقة موسيقية متكاملة تقدم الغناء كعنصر أساسي وتصاحب المطربين وأحيانا يكونون من النجوم وفي أحيان أخري يكتشفون المواهب الجديدة التي تصبح بعد ذلك من العناصر الرئيسية في الفرقة. أما كورال أم النور أسسه د. سعد إبراهيم أستاذ التخدير بكلية طب بنها عام 1977 في محاولة منه للنهوض بالموسيقي المصرية القبطية وهو يتبع كنيسة العذراء بالدقي وظل قابعاً داخل الكنائس إلي أن خرج إلي الجمهور العريض عام 2000 حيث قدم عروضه بدار الأوبرا وبدأ الغناء الوطني يدخل ضمن برامجه والكورال حاليا يصل عدده إلي 70 منشدا ويصاحبه حوالي 25 عازفا يتعاون معهم موسيقيا مجموعة من الموزعين الموسيقيين والأكاديميين المتخصصين في علوم الموسيقي. البرنامج في هذا الحفل وبالتعاون بين الفرقتين استمعنا إلي كل منهما في شكل جديد وهنا تكمن قيمة هذا الحفل الفنية.. تضمن برنامج الحفل حوالي 19 فقرة السمة الظاهرة فيهما الأداء الجماعي المتميز من ناحية والتنفيذ الموسيقي الجيد من ناحية أخري بالاضافة إلي الروح الوطنية التي فجرتها الثورة. البداية كانت مع السلام الوطني والذي أداه الكورال غنائيا هذا الفريق المتكامل بالنوعيات الصوتية المختلفة والذي تم ترتيبها بشكل علمي والذي امتلك ناصية المسرح ليقدم لنا مجموعة من الأغاني الوطنية في شكل مقتطفات متتابعة يكتفي فيها بكوبليه شهير من الأغنية ثم يتبعه بكوبليه آخر من نفس المقام الموسيقي وذلك من خلال توزيع متبادل بين أصوات الرجال والنساء مع مصاحبة موسيقيين يلعب فيها البيانو دور رئيسي حيث قام بالتعويض عن آلات النفخ التي لا يتضمنها فريق التخت العربي والتي تدخل كعنصر أساسي في الأغاني الوطنية وقد برع في العزف الفنان أيمن عادل والذي أيضاً قام بتوزيع بعض الأغاني والأعمال الموسيقية مثل مقطوعة كارل أورف الشهيرة "كارمينا بورانا" الذي تم أداء أجزاء منها علي كلمات أخري من تأليف قائد الحفل سعد إبراهيم والذي فاجأنا أيضاً بأنه يغني ويمتلك صوتا عريضا فأدي أغنية عبدالوهاب "حب الوطن فرض عليَّ" ثم استمعنا إلي توزيع جديد فيه استثمار للكورال وتركيز علي الغناء الجماعي منها أغاني "دقت ساعة العمل الثوري. واسلمي يا مصر ويا أغلي اسم في الوجود والقمح الليلة وعاش الجيل الصاعد وصوت الجماهير" كما كان هناك بعض المغنيين من الذين شاركوا في غناء فردي ولكن بالتبادل مع الفريق مثل نانسي طلعت وميرفت مكرم التي أدت أغاني أم كلثوم "مصر التي في خاطري ومصر تتحدث عن نفسها" كما أدي مينا القمص أغاني عبدالحليم "بالأحضان وصورة" وبشكل عام الأصوات تم اختيارها بعناية وجاءت مناسبة للألحان بالاضافة لأمانة ودقة في الأداء كل هذا يحسب بدون شك للقائمين علي هذا الفريق. تألق من نجوم فرقة التخت العربي برع الشيخ محمود حمدي في غنائه لأغنية "الأرض بتتكلم عربي" والذي تخللها أشعار للشاعر صلاح أبوالعلا وتم إخراج الفقرة بشكل طيب.. وأغنية "قوم يا مصري" من أداء عاطف جاسر ومحمد علي. ومن الفقرات الهامة في الحفل قصيدة أبطال من كلمات البابا شنودة من تلحين وتوزيع ناجي يوسف. برنامج الحفل أرضي عشاق الموسيقي العربية فبرع عازفو فرقة التخت في الأداء سواء مصاحبة المطربين والمجموعة أو العزف المنفرد الذي تألق فيه عازف العود إيهاب إبراهيم وعازف الناي فتحي عبدالحكم وعازف القانون كريم وعازفا الكمان جودة خليل وعبدالرحمن محمد كما برع مجموعة الإيقاع الذي كان عددهم 6 عازفين منهم هشام الخولي "طبلة" وعبده سيد "دف". من الفقرات المميزة أيضاً الأداء المتميز لأغنية وديع الصافي "عظيمة يا مصر" والتي جاءت في شكلها تعبيرا عن الوحدة فتغني الشيخ محمود مع الأخوين مايكل ومارك فرنسيس وتخللهما أشعار للشاعرة دنيانا وصفي فألهبت حماس الجماهير في الصالة وفازوا بتصفيق كبير. أما الختام فكان مع الأغنية الشهيرة للكورال والذي تغني بها كل أفراد الفرقة حتي العازفون وغني معهم الجمهور وكلماتها ترابنا واحد وإلاهنا واحد وقلوبنا دايما فيه يتواجد من كلمات الشاعرة ايفلين رضا وكانت خير ختام لهذا الحفل الجميل الذي أقيم في حب مصر.