الجالسون في الصالة أربعة عشر متفرجا!! كانوا صحبة وأنا معهم.. جلسوا يتسامرون وكأنهم داخل مقهي "برونتو" الذي اختاره المخرج أكرم فريد مكانا للقاء مجموعة الشباب الذين بدأوا يمارسون ألعابهم وسلوكياتهم المفلوتة أمامنا علي الشاشة. استبدل المتفرجون ثمن المشاريب علي القهوة بتذاكر سينما ولاحظت استحسانا منهم وضحكات بأداء لفظي أو حركي للممثلين الذين شاركوا في صنع الفيلم ولكنهم لم يكفوا عن الثرثرة رغم ذلك. الفيلم الذي جلسنا نشاهده اسمه ¢EUC¢ الجامعة المصرية علي غرار ¢AUC¢ الجامعة الأمريكية وهو مأخوذ عن فيلم أمريكي بعنوان accepted "مقبول" فيلم محدود القيمة جدا كما شهد بذلك النقاد الأمريكيون الذين كتبوا عنه.. فكل الأفلام الأمريكية "مشاريع" مفترضة أو جاهزة لصناع السينما المصرية فطوال تاريخ الفن السابع وسينمانا تنهل أفكارها من سينماهم ويشهد الله ان لدينا أمهر فناني الدنيا في السطو علي أفكار الآخرين ونسبة قليلة من الانتاج السينمائي المحلي هي التي تنتمي إلي أصول فكرية مصرية خالصة ولكننا رغم ذلك فنحن نعتبر أيضا ضمن أمهر الحرفيين في تلبيس الفكرة الملطوشة زيها المصري المحلي الفضفاض مستعنين في ذلك بالخواص الإنسانية الفريدة والفطرية التي أعطانا إياها الله الذي خص عباده فوق هذه المنطقة من العالم بخفة الدم وسرعة البديهة والنكتة الحاضرة وأيضا الميل الفطري للميلودراما الثقيلة. بعد هذا الميراث الممدود لعمليات النشل الفني السريع والاحتيال المعتاد الحميد من أجل تقديم سلعة فنية تسر الناظرين وتمنحهم قعدة ظريفة تجمع الثرثرة والفرجة معا هل تنجح الأفلام المصرية الآن في جذب الجمهور بكثافة تتجاوز ولو قليلا هذه الدستة من المتفرجين؟؟ في الاستراحة سألت موظف السينما: هل رواد الحفلات الأخري بنفس هذا العدد؟.. قال ان الحالة نايمة عموما حالة السينما نايمة ومصر في منتهي الصحيان وفي ذروة الاستيقاظ مفارقة تحتاج إلي تحرير سينمائي إلي نوبة صحيان توازي الصحيان المجتمعي والسياسي تحتاج إلي معجزة ربما لا أستبعد حدوثها. الفيلم يضم مجموعة من الشباب تحايلوا واستخدموا مهاراتهم في التعامل مع الواقع ومع الكمبيوتر والنت في تزييف درجات النجاح في الثانوية العامة واختلاق موقع علي شبكة المعلومات لجامعة وهمية أقنعوا أسرهم بالانضمام اليها وافترشوا فيلا لفتاتين من زملائهم واستأجروا عميدا هزليا ومديرا ومالكا للمكان كل ذلك من أجل أن يؤسسوا تعليما غير تقليدي يفسح لمواهبهم ومهاراتهم مكانا يناسب الحياة العملية. الفيلم رغم الفكرة الطموحة محدود القيمة فنيا يعتمد علي حبكة مفككة وشخصيات ضعيفة بلا امكانيات مقنعة لتحقيق ما تتطلع اليه وبصرف النظر علي التعتيم الموضوعي الذي لن يكون في صالح العمل يبقي ¢EUC¢ عملا مقبولا فكهيا يفتح بابا للتفاؤل أمام قائمة لمجموعة من الشباب الذين أدوا الأدوار الرئيسية وحاولوا التعبير عن أنفسهم ومشكلاتهم وان كانت الصور التي جسدوها أقل بكثير من امكانيات الشخصيات التي يفترض أن تقوم بتغيير سياسات التعليم وجدواه. ان قضية الفيلم أرقي وأكثر أهمية بكثير من المعالجة المسلوقة والاستخفاف والمبالغة في التمثيل والتهريج الذي يصرف الاهتمام عن القضية وعن رسالة الفيلم المفترضة. نهاية الفيلم تناسب العهد الذي مضي وتؤكد ان الفيلم أنتج في سياق ما قبل ثورة 25 يناير ولكنه رغم أي شيء نجح في أن يفجر قضية واقعية. أمانة مطلوبة يحسب للمخرج أكرم فريد انه أشار إلي مصدر عمله والأهم انه فتح مناسبة للحوار حول قضية التعليم ونقد المفاهيم التقليدية السائدة لدي الأسرة المصرية والنماذج النمطية للأمهات والآباء وفهمهم العتيق للتفوق والوظيفة وعدم وعيهم بأهمية الموهبة والمهارات والميول الشخصية التي تؤدي للتفرد والنجاح في الحياة العملية ولذلك لم أشعر بالدهشة حين وجدت اهتماما من قبل بعض البرامج الجادة بالفيلم ولم أتوقف أمام سذاجة المعالجة ولا إلي الشباب الباحث عن المزز والحشيش أو اللاهي بألعاب الكمبيوتر وحفلات الديسكو والعلاقات العاطفية الفارغة خصوصا بعد أن أثبت الواقع الفعلي ان هذه صور مزيفة أو ان ما يعرضه الفيلم يعكس فهما خاطئا ويطمس جوهر الحقيقة التي رأيناها في ميادين التحرير. فلو ان وظيفة الفيلم ¢EUC¢ اقتصرت علي مجرد لفت النظر إلي عقم السياسات التعليمية وجمود المفاهيم السائدة عن إرهاب الثانوية العامة وعبادة كليات القمة والدروس الخصوصية أو حتي مجرد سبوبة لفتح قضية التعليم في مصر لكان قد أدي وظيفة من وظائف الفن وأعني التحريض وإعمال العقل خصوصا ان التوقيت أصبح مناسبا للكشف عن أوجاع مصر المزمنة وأحد أسباب تخلفها. المخرج أكرم فريد قدم عددا من الأفلام التجارية بمستويات متفاوتة من التفاهة والابتذال وأيضا الجدية مثل "حاحا وتفاحة" و"أيظن" ولكنه قدم فيلما من نوعية الأفلام العائلية "عائلة ميكي" لا بأس به ويحسب ضمن حسناته.. فهو مخرج لا يفتقد الطموح ولكنه مثل معظم صناع الأفلام التقليدية ليس مغامرا ولا يملك رفاهية التجريب في بزنس السينما وبالتالي فهو يلعب بالمضمون. والكساد وعدم الاقبال الذي أشرت إليه في بداية المقال يصيب كل الأفلام المعروضة حاليا وفي نفس المجمع السينمائي إلي جوار فيلم ¢EUC¢ وبأبطال أكثر جماهيرية "أحمد عز كريم عبدالعزيز". طاقم الممثلين ويضم الفيلم أيضا حفنة من الممثلين قادرين علي المنافسة "كريم قاسم عمرو عابد محمد سلامة ملك قورة" ولا واحد فيهم يصلح أن يكون نجما سينمائيا لو توفرت العناصر الضرورية لعمل فيلم سينمائي جيد "أساسا السيناريو والقدرة الابداعية لصانع الفيلم" والأهم في هذه المرحلة القدرة علي ابتكار الأساليب المناسبة التي تتسق مع جمهور يتغير وصار مهموما بالسياسة وبتداعيات هذه المرحلة الحاسمة علي حياته العملية. لم تعد فكرة "الهروب" أحد أهم الوظائف التقليدية للفرجة علي فيلم سينمائي التي ينشدها المتفرج اللاهي الباحث عن الترفيه من أجل الترفيه وانما أصبحنا ننشد التحليق مع خيال لا يتجاهل الواقع الذي يتفجر الآن فنحن نعيش حاليا في زمن يفيض بشتي أشكال الدراما وبكل أنواعها البوليسي. والكوميدي والتراجيدي والترجيكوميدي. الواقع أمام صناع الفنون مفتوح حاليا علي طاقة نشيطة من الفعل وردود الفعل علي الشخصيات والأحداث المهولة.. واقع يحتاج إلي مبدعين.. إلي صناع سينما يمتلكون القدرة علي تحويل هذا الزخم الطاغي إلي أعمال فنية ناعمة وممتعة تجعلنا نفكر في هدوء ونستجمع طاقات الأمل والقدرة علي الانجاز. السينما المصرية الآن أقدر من أي وقت مضي علي تسجيل المرحلة الجديدة التي نعيشها وعلي التحريض علي خلق سياسات جديدة وليس مجرد تكرار نفس الحواديت القديمة مع اضافات ثقيلة وسخيفة مثلما جري مع أفلام أكتوبر أو ثورة 23 يوليو. فيلم ¢EUC¢ مجرد عمل هجين أو استنساخ ضعيف ورغم ذلك أصاب هدفا ما. الثورة.. شكلا في الفيلم وضعت إحدي الشخصيات الكوفية الفلسطينية وبعضهم ارتدي تي شيرت مطبوع عليه صورة "جيفارا" وأخري كان يعمل علي توريد الحشيش وآخر أنطقه كاتب الحوا كلاما كبيرا عن أهمية الحرية في اختيار نوع التعليم والجميع شاركوا في تزييف الحلم المشترك ألا وهو تأسيس جامعة مصرية تلبي حاجتهم وأشواقهم إلي الابتكار ولكنهم في نهاية المطاف لم يقدموا عملا متسقا لا مع الأفكار ولا الرموز الشكلية التي ظهرت. وفي نهاية الفيلم يصطدم الجميع وبعد الحكم بالإدانة مع وقف التنفيذ بنفس العقلية النمطية ونفس الأساتذة الفاسدين الذين استولوا علي الجامعة "الحلم" وأخضعوها لأغراضهم التجارية.. نهاية واقعية تناسب زمن انتاج الفيلم ولكنني اعتقد ان هذا الواقع يتغير الآن.